السبت 30 كانون الاول , 2023 10:54

الشارع الإسرائيلي يفقد المناعة تجاه وقوع الضحايا

جنازة جندي إسرائيلي

يميل التصور العام أن الشارع الإسرائيلي يعاني من فقدان مناعة تجاه "وقوع الضحايا"، وأنه غير قادر على تحمل الخسائر البشرية في الحروب، في الحقيقة أثبت الصهاينة في بداية تكوين كيانهم، قدرة عالية على التضحية الجماعية، لتخضع هذه القيمة فيما بعد للتقويض وتحوّل جارف. نتيجة ارتباط مؤشر الحساسية تجاه القتلى بحجم التهديد الأمني، فأصابت صنّاع القرار عدوى "رهاب القتلى"، ونشأت حالة من فقدان الثقة بين المستوى السياسي والعسكري والمستوى الشعبي، تجاه اتخاذ قرار قد يتسبب بوقوع قتلى، مما يُفقد صنّاع القرار شرعية مواصلة الحرب، وينخفض بالتالي مستوى تأييد الشارع الإسرائيلي لها.

مؤشرات التأييد والمعارضة في الحروب

تنقسم مؤشرات الموقف تجاه الحرب بين تأييد ومعارضة، وتساهم العديد من العوامل في انخفاض التأييد وارتفاعه، فبالإضافة إلى عامل "الحساسية اتجاه القتلى" تم رصد عوامل أخرى:  

- انخفاض التأييد: ينخفض مستوى تأييد الشارع الإسرائيلي للحرب عند انخفاض مستوى التهديد، وعندما تكون العملية العسكرية غير مبررة من ناحية الأسباب والدوافع أو فقدان الثقة بقدرات الجيش على تحقيق إنجازات أو نصر. بالإضافة إلى وجود أثمان باهظة لا يقابلها أي إنجازات ملموسة.

- ارتفاع التأييد: يرتفع تأييد الشارع الإسرائيلي للحرب عند استمرار وقوع الخسائر البشرية ما يعزز رغبة الشارع الإسرائيلي بمواصلة القتال وتدفيع الثمن، بالإضافة إلى عامل استمرار التهديد والخطر الأمني، أو عدم تحقيق إنجازات واضحة، فذلك يعزز اتحاد الشارع حول المستوى العسكري لبذل المزيد من الجهود في تحقيق انتصار.

شرعية التضحية

الأسباب التي ساهمت في التقليل من شرعية التضحية:

- سيطرة مجتمع السوق، بحيث تحول الإنتاج القيمي والأخلاقي والسلوكي إلى سلع للمتاجرة، والمكسب المالي.

- تراجع التهديدات الخارجية، ذات البعد الوجودي كحرب "طوفان الأقصى" (أغلب حروب إسرائيل هي البادئة فيها (.

- فصل التجنيد عن المواطنة، وحصر قيمة التضحية بالجندي.

- الانقسامات الاجتماعية: حاول اليسار التقليل من قيمة التضحية من خلال نزع الشرعية عن صوابية الحرب وجدوى تقديم التضحيات، وهكذا، نشأ صراع بين المجموعات ذات المكانة الأدنى والمجموعات ذات المكانة الأعلى في الجيش حول شرعية التضحية والحق في الحماية.

استراتيجية الموازنة

سعت القيادة العسكرية إلى اعتماد استراتيجيات عدة للتقليل من تأثير "الحساسية تجاه القتلى" على العمل العسكري، وهي استراتيجيات تهدف إلى الموازنة بين الحساسية تجاه القتلى في المجتمع الإسرائيلي، وبين أهداف الحرب:

- تكثيف إجراءات الحماية للجنود: لخلق شعور بالحماية الذاتية والأمن في عقلية الجنود.

- التحفيز المالي: تحفيز التضحية من خلال زيادة المكافآت المالية لجنود الاحتياط، وتحسين سياسة التعويضات.

- تقليص الحماية العسكرية: القيام بتغييرات هيكلية طويلة الأمد، تغيرات في تكتيكات نشر الوحدات الميدانية، توزيع الجهد العسكري، لإلغاء فكرة التمايز بين الوحدات، لجهة المخاطرة، والتضحية بالأرواح.

- إعادة توزيع العبء العسكري بناء على الهيكلية الاجتماعية للجيش: بإعادة التنظيم الاجتماعي للرتب داخل الجيش، كاختراق للجماعات الدينية والجماعات ذات المكانة الأدنى كالطبقة المتوسطة للجنود العلمانيين.

استنتاج عام

أظهرت "المرونة الاجتماعية" في الكيان أنه أكثر ليونة وطوعية عندما يكون التهديد الأمني على إسرائيل عظيماً، لكن حدود هذه المرونة تصبح أكثر تصلّباً عندما تغيب الانجازات الواضحة، ويكثر القتلى من دون جباية أثمان واضحة وحاسمة، بالتالي إن هامش المرونة في حرب "طوفان الأقصى" سيزداد حساسية مع امتداد الحرب زمنياً، كعامل ضاغط على المستوى السياسي والعسكري، على الرغم من أن حجم التهديد والخسائر لا يزال يفعّل غريزة الانتقام، ويتسامح مع أعداد القتلى.

لا يزال المجتمع الإسرائيلي، رغم فقدان ثقته بالمستوى السياسي، يتمسك بأمل الجيش الإسرائيلي وقدراته في إنقاذ "شعب إسرائيل"، وفي حال بدأ الشك يتسلل إلى مصدر الأمن المقدس أي الجيش، فإن المجتمع سيتهاوى ومعه الجيش.


الكاتب: حوراء قبيسي




روزنامة المحور