اعتاد الأميركي استخدام أدواته في العراق كما في سائر المنطقة بهدف كسرِ كلّ حالة أثبتت قدرتها على مواجهة مشروعه، وما المحاولات الأميركية التي ترمي إلى الفصلِ بين الحشد الشعبي والمرجعية الدينية في العراق، سوى وسيلة جديدة يسعى من خلالها إلى التخفيف من توهج الحشد الشعبي والإلتفاف العراقي حوله.
يوظف الأميركيون في سبيل تحقيق غايتهم تلك قدرات ومنصات إعلامية كموقع قناة الحرة وغيره من مواقع توظيف الأقلام والأبواق لتنقل عن مصادر مجهولة الإسم والصفة والدور، أن ثمّة خلاف بين الحشد الشعبي في العراق وبين المرجعية الدينية، وتحاول الإيحاء بأن دور الحشد انتهى مع زوال الخطر الداعشي، وأن فتوى الجهاد الكفائي قد انتهت مفاعيلها. وليس كلّ هذا سوى ردّ فعل على قوّة الحشد المتعاظمة والإنتصارات التي حقّقها والصلابة التي أبداها في الدفاع عن العراق.
شكّل العرض العسكري الذي أقامه الحشد الشعبي في احتفالية الذكرى السابعة لانطلاقته صدمة، سواء بالنسبة للأميركيين أو لأدواتهم الناشطة اعلاميًا، واستشعروا منه خطرًا مستمرًا على مخططاتهم التي كلّما اقتربت من التحقّق سقطت بفعل الوعي الوطني العراقي العابر لكل الحدود الوهمية التي أرادت تقطيع أوصاله منذ ما قبل اجتياح العراق إلى يومنا هذا. فقوّة الحشد تكمن في كونه جمع عابر للمذاهب، مرتبط بالمحور المقاوم، لصيق بالمرجعية الدينية التي في كلّ مناسبة شكرته على حفظ العراق وأهله ومقدساته، وحاصل على التفويض الشعبي بالدم وبالإلتفاف الوطني، كما لم يدع الحشد مناسبة إلا وكان قريباً فيها من المرجعية الدينية.
مكامن القوّة هذه هي لائحة أهداف حدّدها الأميركي ويتمنى تصفيتها، وما اختياره لعلاقة الحشد بالمرجعية الدينية ومحاولة تشويهها وبث الأضاليل حولها إلّا باب ومقدّمة تتيح له تشويه صورة الحشد في أعين العراقيين، ولا سيّما الملتزمين برأي المرجعية، وتقوده إلى تصوير القوّة التي هزمت داعش وكل المشروع الذي يقف خلفها كقوّة مذهبية معزولة حتى عن مرجعيتها، وذلك عبر تكرار "معايرة" الحشد بعلاقته بالجمهورية الإسلامية في إيران، وتظهير هذه العلاقة كحالة انفصالية معزولة عن محيطها، ومرتبطة بإيران بشكل يتنافى أو يتعارض مع عراقيتها إن صحّ التعبير.
من البديهي القول أن الحشد لا يتلقى تعليماته من المرجعية الدينية بشكل يجعله فصيلًا مقاتلًا خاصًا بها، وهو لم يكن يومًا كذلك.. لكنّ ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أنّه منفصل عنها أو معاديًا لها.. فعلاقته بها والتي انطلقت من حدث عظيم هو فتوى الجهاد الكفائي لم تزل رغم كلّ التفاصيل التي قد تُفسّر خلافًا علاقة الجمع الشعبي المقاوم بمرجعية دينية محترمة ومقاوِمة ولها ثقلها العظيم في نفوس العراقيين..
يحاول البعض، بإيعاز أميركي واضح المعالم، تصوير الحشد الشعبي كجيش رديف للقوات العراقية ذي أجندة اقليمية منفصلة عن أرضه، وكحالة "خارجة على القانون" وأن قانونية وجوده هي مجرّد إجراء صوري، وكلّ ذلك بهدف عزل الحالة الحشدية عن أصلها ومحيطها، ويستخدمون لهذه الغاية كلّ ما أمكنهم من وسائل، من الإيحاء بأن السيد علي السيستاني يعتبر الحشد حالة غير قانونية إلى تفسيرهم خطب الجمعة في النجف بما تشتهي سفن عزل الحشد..
هي السياسة الأميركية وهو أسلوبها القديم الجديد في التسويق لكلّ برامج التفرقة بين أبناء التراب الواحد والقضية الواحدة، وما إدخال علاقة الحشد الشعبي مع المرجعية إلى دائرة الإستهداف التضليلي الإعلامي إلّا انعكاس لقوّة الحشد كطرف في محور المقاومة ولخطورته على المشروع الأميركي الذي يلفظ مُكابرًا آخر أنفاسه في العراق بشكل خاص، وفي كل المنطقة عمومًا..
أمّا بعد، يعلم خصوم الحشد الشعبي قبل أنصاره أنّ هذا الجمع المقاتل المدافع عن العراق كلّه هو ابن أرضه الذي بذل الدم والأرواح في سبيل حفظ كلّ بيت عراقي من الخطر الداعشي، وأنّه الإبن الذي يبرّ بكلّ أهله ولا يتصادم أو يهجر المرجعية التي تكلّله بالرضا وبالشكر وبالاحترام فهو وٌلد من رحم المرجعية والابن البار لها ..
الكاتب: ليلى عماشا