لعلّ من أبرز وأهم الإنجازات التي حققتها الثورة الإسلامية في إيران والتي بطبيعة الحال أسسّت لمتغيراتٍ إقليمية ودولية منذ انتصارها وما تبع ذلك من ترتيبٍ في خارطة الواقع السياسيّ على مستوى المنطقة ككل، يوم القدس العالميّ.
"إنَّ يوم القدس يوم عالمي، لا يختصّ بالقدس بل هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين إنه يوم مواجهة الشعوب، التي رزحت طويلاً تحت نيران الظلم الأميركي وغير الأميركي للقوى العظمى، يوم يجب أن يستعد فيه المستضعفون لمواجهة المستكبرين ولتمريغ أنوفهم في الوحل".
بهذه الكلمات وبعد انتصار الثورة الإسلامية في 11 شباط عام 1979 أطلق الإمام الخميني (قده) يوم القدس العالميّ، ليكون لأوّل مرّة في إيران في السابع من آب عام 1979 في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، ولتحوّل الجماهير الثائرة سفارة الكيان الصهيونيّ في إيران إلى سفارة لفلسطين لتكون بذلك أوّل سفارة فلسطينية في العالم، مما يؤكّد على الأولوية الكبرى، القدس، التي وضعتها الثورة على سُلّمِ توجّهاتها لتغدو أنموذجاً وبوصلةً لكلّ الأحرار، ويبرهن التزام إيران الثورة بقضية فلسطين قولاً وفعلاً، ومن أوجه هذا الالتزام، ما كرّسته إيران في دساتيرها وقوانينها، مثل تأسيس لجنة حماية الثورة الإسلامية للشعب الفلسطيني عام 1989 في رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وسنّ قانـون دعم الثورة الإسلامية للشعب الفلسطيني والذي يتكون من ثماني مواد وملاحظة واحدة، وقد تم تقريره في الجلسة العلنية ليوم الأربعاء، 9 أيار 1989، في مجلس الشورى الإسلامي.
وقانون وجوب الدعم الشامل من قبل الحكومة للشعب الفلسطيني المظلوم، والمُقرّ من مجلس الشورى في الأول من كانون الثاني عام 2008، إضافةً لإعلان يوم 19 كانون الثاني، يوم غزة رمزاً للمقاومة الفلسطينية.
يتضح يوماً بعدَ يوم أهمية إحياء يوم القدس العالمي، سواء لما يحمله من رمزيات فارقة أو من مضامين غنية، في ظلّ التطوّرات المتسارعة التي تشهدها الساحة الفلسطينيّة، وفي خضمّ التصدي لمشاريع الكيان الصهيونيّ في محاولةٍ مستمرّة منه لطمس القضية الفلسطينية وتغييبها عن الوعيين العربي والعالميّ، وفي محاولةٍ لتشتيتِ الموقف الفلسطيني وإظهار الشعب الفلسطيني بمظهر المفاوض الضعيف، وتوسيع رقعة الاحتلال عبر قضم الأراضي من خلال مصادرتها والعمل على تهويدها، وارتكاب المزيد من الجرائم بحق أبناء الأرض.
يأتي يوم القدس هذا العام، والشعب الفلسطينيّ يمضي قدُماً في شقّ طريق تحرير أرضه من براثن الاحتلال، فلا يمرّ يومٌ إلا وتُبثُّ الرّوح في النفوس عند تنفيذ عمليات فدائية استشهادية في الداخل المحتل.
وبينما ترزح فلسطين تحت وطأة الكيان الإحلالي الإلغائي تنزلق بعض الأنظمة العربيّة في أتون الاتفاقات الاستسلاميّة، لتصالح من سرق الأرض من أهلها، وقتلهم، وشرّدهم، وهجّرهم.
يوفّر هذا اليوم المبارك بما يُحيط فيه من هالةٍ قدسيّةٍ الفرصة لتجديد التأكيد على عدالة القضيّة الفلسطينيّة واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينيّ وعلى رأسها حق العودة، كما أنّه يومٌ لتجديد عهد من وفى لفلسطين وما زال، وهو يومٌ لاستنهاضِ الهِمم والتقاء السّواعد على طريق تحرير الأرض المقدسة وما حولها، كونه اليوم الفصيل بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل أينما كانوا، ففلسطين أصل الحكاية ومفتاح بوابة التّاريخ، ومتن النص المُقاوِم.
الفصل الأخير من أي قصة هو الفصل الأهمّ، ففي هذا الفصل تتراكم أحداث القصّة وتتصادم عناصرها، وهو الأخطر ففيه يحاول الخاسر تعويض خسارته، والرّابح أن يجني أفضل الثمار من ربحهِ، وفيه، إمّا أن يخرج المولود وهو النصر بعد آلام مخاضَ الولادة ميّتاً، وإمّا أن يخرج صحيح الجسد والرّوح، وباعتقادنا وبعقيدتنا الرّاسخة أن مولودَ محور المقاومة والذي هو مولود الشعبِ الفلسطينيّ لن يخرج إلّا منتصراً وصحيحَ الجسدِ والرّوح فالانتصارات المراحلية المتراكمة والتي شكّلت نواة الدفاع عن فلسطين تهيّئ الولادة الصحيحة والانتصار الناجز، ولا يقدح في حق الملكية انتزاعها من صاحبها، فحق الفلسطينيّ بأرضه تاريخيّاً وجغرافيّاً قرارٌ بات مبرم، لا منبرم، لا يقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن .