"لقد رجعت إسرائيل 56 سنة إلى الوراء... إسرائيل المنكوبة، التي تشهد أزمة داخلية وجيشها متوتر إلى أقصى حد، تقف على شفا حرب"، بهذه الكلمات لخّص الكاتب "إسرائيل زيف" قراءته للأزمة الحالية على خلفية الانقلاب القضائي في مقاله في صحيفة "معاريف". ليضيف أنّ تهديد الحرب على الجبهة الشمالية خاصة في ظل التوترات عند الحدود في قرية "الغجر" يلوح أيضًا في الأفق. لكنّه شرح أنّ "حرب لبنان الثالثة ستكون الأسوء... غير مبررة، بلا إجماع واسع، مع نسبة تطوع أقل في الاحتياط، مع شرعية دولية مشكوك فيها ومع حكومة، هي الأقل ملاءمة لاتخاذ القرارات في الحرب".
المقال المترجم:
إن إصرار الحكومة على تعزيز التعديل القضائي واستعدادها لدفع أي ثمن مقابل الأهداف التي يرغب كل مكون من مكونات الائتلاف بتحقيقها من خلال إضعاف المنظومة القضائية، يُزيل أي شك في نواياها فيما يتعلق بالعلاقة بين أسبقية مصلحة رئيس الحكومة الشخصية، وطموح الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش لتأسيس "مغسلة المحكمة العليا" لتجهيز مشروع الاستيطان، ومصلحة الحريديم في التملص من التجنيد الإجباري. كل هذا سيؤدي بشكل واضح إلى إلغاء صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية صهيونية ليبرالية.
حياة مزدهرة لملايين من المواطنين، استثمارات ضخمة لعشرات السنين، إلى جانب الأزمات، النزيف وثمن خسارة عشرات الآلاف من أبنائنا، كل ذلك قد يذهب سُدى خلال الأيام العشرة القادمة. يبدو أن شركاء الائتلاف مستعدون لدفع هذا الثمن، وربما يرغبون حتى في محو هذا الفصل من تاريخ إسرائيل الصهيونية، والتي تم تحديدها في نظرهم على أنها يسارية، علمانية ونخبوية، من أجل إقامة مملكة يهوذا المناهضة للعرب، والتي ستحكم أكثر من ثلاثة مليون فلسطيني، بما في ذلك التخلي عن الجليل والنقب وزيادة الحريديم في وسط البلاد. الشيء الذي ما زال العديد من المواطنين لا يرونه هو أن حملة الانتقام هذه، بغض النظر عن الخراب، لن تحقق شيئًا، لكن هذا المستقبل قد بدأ فعلًا.
لقد فقدت إسرائيل في غضون أشهر معدودة مكانتها الدولية المميزة. واحتمالية أن يتم إعادة النظر في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل أخطر من أي احتمال آخر. هذه السابقة وردت في عام 1975، حين كان يرأس البلاد زعيم فهم الأمر ومشي فورًا مع مطالب كيسنجر بخصوص مبادئ الاتفاق مع مصر. اليوم جزء من الوزراء جاهلون إلى درجة أنهم لا يفهمون مدى خطورة الأمر، ورئيس الحكومة يُعرَض إسرائيل لمستويات من المخاطرة وضرر في العمود الفقري لقوتها واستقرارها.
إن القراءة الثانية أو الثالثة في الكنيست لا تغير أي شيء بخصوص صورة إسرائيل في العالم. حتى الآن تبدو إسرائيل غير مستقرة وهي في طريقها إلى التدهور. إن عدم الاستقرار الاقتصادي المتزايد، الهروب الكبير الذي يحدث في إسرائيل، زيادة العنف في الشوارع، وتسلل الانقسام لداخل الجيش الإسرائيلي يُشكّل عملية انهيار ستصل لمرحلة معينة تتوقف فيها عن الاعتماد على قرارات الحكومة ولن يكون ممكنًا وقفها.
لقد رجعت إسرائيل 56 سنة إلى الوراء، عشية حرب الأيام الستة، إلى الأيام التي كان فيها موقفنا الدولي غير مستقر، وساد الخوف والشك بشأن مستقبل اليهود. ولكن بعد ذلك كانت هناك قيادة اتحدت وبثت الأمل في النفوس. اليوم، حكومة "فرّق تسد" تمزق أي فرصة للوحدة وتجعل مواطني إسرائيل يفقدون أي إحساس بالأمن الشخصي.
إسرائيل المنكوبة، التي تشهد أزمة داخلية وجيشها متوتر إلى أقصى حد، تقف على شفا حرب. إيران وحزب الله ينتظران في الزاوية. طهران معنية بالقرب من الولايات المتحدة التي تتطلع للتسوية معها حتى قبل انتخابات العام المقبل، بشكل أساسي لمنع ارتفاع أسعار الطاقة في عام الانتخابات هناك، وليس هناك أداة قوة للإيرانيين أفضل من إسرائيل تحت قصف صواريخ من لبنان حين يكون المفتاح الوحيد لوقفها بأيديهم. إن العملية المتزايدة لوقف التطوع في الاحتياط هي بمثابة باب مفتوح ودعوة لحزب الله لشن الحرب. إن حرب لبنان الثالثة ستكون هي أسوأ حروبنا.
ستكون مبررة بشكل أقل من سابقاتها، بلا إجماع وطني واسع، مع نسبة تطوع أقل في الاحتياط، مع شرعية دولية مشكوك فيها ومع حكومة، هي الأقل ملاءمة لاتخاذ القرارات في الحرب.
صحيح أن الحرب ستعمل على وقف الإجراءات التشريعية المؤسفة، بل وستوحد البلاد، على الأقل لفترة من الزمن، لكن الضرر سيكون جسيمًا، ولا لزوم له بالأخص، ولن يؤدي إلا إلى زيادة الانقسام الداخلي. هل ما زال نتنياهو قادرًا على إبداء المسؤولية وإيقاف التقدم نحو الهاوية؟ إننا سنضطر لمعرفة ذلك في المستقبل القريب.
المصدر: معاريف
الكاتب: إسرائيل زيف