الشركات الأمنية والعسكرية وخطورتها

عناصر من شركة بلاك ووتر الأمنية

شهد العالم خلال السنوات الماضية تطورات كبيرة تتعلق بقضايا الأمن وإدراك قادة الدول والمخططين والدارسين لها. فمع انهيار الاتحاد السوفياتي، وبروز الأحادية القطبية، تحول الصراع من صراع قوى كبرى إلى صراع إثنيات وهجمات داخل الدولة، ولم تعد الدول هي الوحيدة في ساحة الصراع، بل انضم إليها، وفي بعض الأحيان حل محلها فاعلون آخرون يشملون افراداً، وميليشيات، ومرتزقة، وشركات.

أسهمت العولمة بتأثيراتها المتعاظمة في توسيع القضايا الأمنية. وجاءت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بتغيرات إضافية للقضايا الأمنية وإدراك متخذي القرار بشأنها. ومن أهم التحولات التي عبرت عن تلك الأحداث أن الذين قاموا بالاعتداءات كانوا أفراداً ينضمون الى تنظيم، لا دولة تسعى لامتلاك المزيد من القوة. وقد انعكست هذه التحولات على دور الدولة الأمني، فبعد أن كانت الدولة في السابق تحتكر استخدام القوة الشرعي وتقوم بتوفير الأمن، تبدلت هذه الحال بعد دخول أطراف جديدة مثل الشركة العسكرية والأمنية الخاصة في مجال تقديم خدمات الأمن.

بداية، لابد من تعريف "خصخصة الأمن" أنه توجه تقوم فيه الدولة بتحويل جزء من مهامها الأمنية والعسكرية إلى القطاع الخاص، وتلجأ فيه شركة الأعمال والكيانات الأخرى، وحتى الأفراد، إلى المنظمات الخاصة لضمان أمنها في ظل غياب الحكومة الكامل أو النسبي، أو عجز مؤسساتها الأمنية عن القيام بدورها. ويمكن أن تأخذ الخصخصة أشكالاً متعددة، مثل التعاقد الخارجي، التعاقد من الباطن، تعاقدات الإدارة، الإيجار الطويل الأمد، وعمل المرافق على أسس تجارية.

أما "الأمن" فهو مفهوم يثير جدلاً واسعاً بين الدارسين، ففي التعريف اللغوي إن "الأمن" يعني الطمأنينة وغياب الخوف. أما من وجهة النظر العسكرية، فإن "الأمن" هو "مجموعة الإجراءات والتدابير التي تضع القيادة والقوات في مأمن من المباغتة، وتسمح للقائد بالحصول على الفترة الزمنية اللازمة والمنطقة الأرضية الضرورية لإجراء المناورة التي يخطط لها ويصمم على تنفيذها".

أما تعريف المرتزق فقد جاء في المادة 47 من البروتوكول الأول الذي أضيف عام 1977على اتفاقيات جنيف الأربع لحماية ضحايا الحرب الموقعة في آب/ أغسطس 1949 بأن المرتزقة هم الأشخاص الذين يتم تجنيدهم للنزاعات المسلحة بواسطة – أو في – بلد ليس بلدهم الأصلي، ويكون دافعهم الكسب المادي. وتمنع الاتفاقية استخدام المرتزقة، نتيجة للانتهاكات والخروق الكبيرة المرتكبة من قبلهم، ولقد اكتسبوا سمعة سيئة. لذلك تسعى الشركات الأمنية والعسكرية لنفي شبهة الارتزاق عنها، والتأكيد على أنها شركات تعمل وفق القانون مثل سائر الشركات العادية الأخرى.

يمكن تعريف الشركات العسكرية والأمنية بناء على طبيعة العميل (الزبون) الذي تتعامل معه الشركات بالإضافة لنوعية الخدمات التي تقدمها، وبناء على هذا يمكن تحديد نوعين من هذه الشركات:

  1. الشركات العسكرية الخاصة: تقدم مجموعة من الخدمات العسكرية للعملاء، وتسعى للتأثير العسكري في الميدان، وتشارك في العمليات. وهناك حكومات تطلب هذه الخدمات لتؤثر في نزاع بعينه.

ويمكن تصنيف هذه الشركات بالاعتماد على طبيعة العمل الذي تقوم به الى ثلاثة أنواع؛ وهي:

  • الشركات التي توفر أعمال الميدان العسكرية وتركز على الجانب التكتيكي.
  • شركات الاستشارات العسكرية والتدريب.
  • شركة الإمداد والدعم اللوجستي.
  1. الشركة الأمنية الخاصة: تشبه الشركات العسكرية، لكنها تقدم خدمات أمنية دفاعية لحماية الأفراد والممتلكات، وتُستخدم هذه من الشركات العالمية والأفراد والمنظمات غير الحكومية العالمية.

الجدير بالذكر، ان المرتزقة استخدم لأول مرة في مرحلة ما قبل التاريخ، كما أن الفاتيكان استخدم المرتزقة حيث استخدم فصيلة سويسرية لتأمين الحماية، كما تم استخدم مرتزقة أميركيين في حرب البوير 1899-1902، وفي حرب بيافرا في نيجيريا بين 1967-1970.

أما الأسباب الموجبة لخصخصة الأمن فيمكن تلخيصها بأربع:

  • الخصخصة من قبل الدول.
  • انتشار الأسلحة الصغيرة.
  • ضعف الحكومات.
  • ظهور فاعلين جديد على المستويات العسكرية والأمنية.

على الرغم التوجه نحو خصخصة الأمن فإن ما ظهر من أعمال هذه الشركات العسكرية والأمنية عامة والمرتزقة خاصة، أصبحت مصدر تهديد للأمن القومي للدول التي تستخدمها، ولعل ما يدل على خطورة هذه الشركات ما فعلته بلاك ووتر في العراق، وما حصل مؤخراً مع فاغنر في روسيا.


الكاتب:

نسيب شمس

-كاتب وباحث سياسي




روزنامة المحور