الجمعة 21 تموز , 2023 04:02

مستقبل السيارات الكهربائية بيد طالبان!

مصنع خردة معدنية مملوك للصين في كابول

زينب عقيل

منذ العصور القديمة، كانت المناجم مصدرًا إضافيًا للدخل للعائلات الزراعية، التي تستخرج الأحجار الكريمة مثل الكوارتز والتورمالين والكونزيت، وهي بلورة زجاجية أرجوانية، وتبيعها إلى أسواق وسط وجنوب آسيا. وأثناء قيامهم باستخراج الكونزيت عالي الجودة، يتخلص عمال المناجم بشكل روتيني من أكوام الصخور اللبنية. أطلق عليها السكان المحليون اسم "تختبات" - كونزيت النفايات. لكن الجيولوجيين يعرفونه باسم الإسبودومين، خام الليثيوم الحامل. "لم يكن أحد يعرف قيمة نفايات الكونزيت حتى بدأ رجال الأعمال الصينيون في الوصول"، قال أحد مسؤولي المناجم في أفغانستان.والليثيوم، هو المعدن الاستراتيجي للقرن الحالي، بل يمكن وصفه بنفط القرن الواحد والعشرين. إذ أطلق البنتاغون على أفغانستان اسم "المملكة العربية السعودية لليثيوم". والآن، فإن المنافسين الأميركيين هم الذين يسعون جاهدين لاستغلال تلك الاحتياطيات المرغوبة. ولكن كيف بوجود الصين وبوجود العقوبات على طالبان؟

عامل منجم يعمل في منجم ناء للأحجار الكريمة على ارتفاعات عالية في مقاطعة نورستان.

يتحدث الأفغان المحليون لصحيفة واشنطن بوست عن التجار الصينيين كيف اشتروا أكبر قدر ممكن من الخام، وأرسلوا شاحنات مليئة بالوقود على طريق الوادي الذي حفر بالقنابل. وتورد الصحيفة أنه في ستينيات القرن العشرين، أبلغ الجيولوجيون السوفييت لأول مرة عن رواسب الليثيوم الكبيرة في الصخور الكبيرة ذات الكريستال التي تسمى pegmatites على طول سلسلة هندو كوش. بعد الغزو الأمريكي في عام 1960، غامرت فرق المسح الجيولوجي الأمريكية التي تعمل كجزء من فرقة عمل البنتاغون تحت حراسة مشاة البحرية إلى البحيرات القشرية المالحة في جنوب أفغانستان، حيث وجدوا محتوى الليثيوم مرتفعًا لدرجة أنه ينافس رواسب المياه المالحة في تشيلي والأرجنتين، بعض أكبر منتجي الليثيوم في العالم. كما قدروا، باستخدام المسوحات الجوية، أن كونار ونورستان كانا غنيين بالصخور الحاملة للليثيوم، لكن الوديان كانت خطيرة للغاية بحيث لا يمكن زيارتها. وحتى اليوم، لا يزال الحجم الدقيق لاحتياطيات الليثيوم في أفغانستان غير محدد. وبحسب دراسة البنتاغون، قد تكون أفغانستان المكان الأكثر تمعدنًا على وجه الأرض. لكن العمل الجيولوجي الأساسي لم ينجز، ذلك أن المناجم لن تكون فعالة من حيث التكلفة إلا إذا تمّ بناء طرق جديدة وسكك حديدية ومحطات لمعالجة الخام ومحطات طاقة حولها. وبالطبع كل ذلك ليس مشكلة بالنسبة للصينيين وهم ملوك البنى التحتية حول العالم، بل يمكن القول بأنه عندما يتعلق الأمر بالبنى التحتية فلا يمكن لأي غربي أن ينافس الصينيين.

وفي مقابلة نادرة، قال شهاب الدين ديلاوار، وزير المناجم الأفغاني وأحد كبار قادة طالبان،  إنه قبل 24 ساعة فقط، كان ممثلو شركة صينية في مكتبه يقدمون تفاصيل عرض بقيمة 10 مليارات دولار تضمن تعهدات ببناء مصنع لمعالجة خام الليثيوم ومصانع بطاريات في أفغانستان. وتحديث الطرق الجبلية المهملة منذ فترة طويلة وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل المحلية. لكن لم يذكر ديلاور تفاصيل الجدول الزمني لمنح أي امتيازات تعدين وقال إن حكومة طالبان سترحّب بمقدمي العروض الغربيين وحتى الأمريكيين إذا تم إسقاط العقوبات، حيث تحظر ما يسمى بالعقوبات الأمريكية جميع المعاملات مع طالبان في العلن، لكنها ما زالت هناك في المناجم تستثمر في المعادن باسم شركات أخرى.

عامل منجم بجوار آلة تشغيل في نورستان

تبرز أهمية هذا المعدن أنه بحلول عام 2030، من المتوقع أن يكون حوالي 60% من جميع السيارات في الصين وأوروبا والولايات المتحدة كهربائية، وبالتالي من المتوقع أن يواجه العالم نقصًا في الليثيوم كما يقول هنري ساندرسون في كتابه Volt Rush: The Winners and Losers in the Race to Go Green. يقول ساندرسون "إنّ قطاع الليثيوم في الصين في وضع يحسد عليه حقا: فهم يهيمنون على المعالجة، ولديهم مواد البطاريات والمصانع، لكن سلسلة التوريد بأكملها تتوقف إذا لم يكن لديك مواد خام لتغذية الآلة الصناعية". لهذا السبب يذهبون إلى أفغانستان. إنهم بحاجة إلى تأمين أكبر قدر ممكن منهم".

يتطلع الأفغانيون وخاصة سكان المناطق النائية إلى طريق الحرير والاستثمارات الصينية لأنها ستحسن الطرقات وتبني الجسور وتؤمن الوظائف، وبالطبع يستمتع هؤلاء بخسارة الولايات المتحدة بالمنافسة على المعادن بسبب ما يسمى العقوبات. أول ما يتبادر إلى الذهن الذي اعتاد على استكبار الولايات المتحدة ومكائدها ونهبها لثروات الشعوب، بأن واشنطن لا يمكن أن تترك البلاد في أمان حتى يتمكن الصينيون من العمل؟ خاصة أن الصينيين اعتادوا على تأمين مواقع استثماراتهم. إلا أنهم في الفترة الأخيرة ما انفكوا يتخطون استراتيجيتهم الأمنية ذلك أن التحول العالمي اليوم لا يخلو من الاضطراب والفوضى، حيث من الصعب ان تجد مكانًا قابلًا للاستثمار لا تتعارك الولايات المتحدة مع الصين عليه.


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور