تعود تحركات وجرائم العصابات الصهيونية المتطرفّة بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلّة الى واجهة الأحداث. اذ بلغ عدد اعتداءات المستوطنين 1013 اعتداءً في النصف الأوّل من العام 2023. وبحسب تقرير "وكالة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، يكون معدّل اعتداءات المستوطنين حوالي الـ 100 هجوم شهريًا، بزيادةٍ نسبتها 39% مقارنة بالعام 2022. وكان آخر الجرائم، قتل مجموعة من المتطرفين لابن الـ 19 عامًا، الفلسطيني قصي المعطان في قرية "برقة" غرب رام الله بتاريخ 5 / 8 / 2023، وسبقها الاعتداءات الكبيرة في حوارة في نابلس في فترة نهاية شباط / فبراير ومطلع آذار / مارس الماضيين.
يلقب المستوطن الذي قتل الشاب "المعطان" بـ "الراعي"، فيما اسمه الحقيقي "إليشع ييرد". نشط هذا المتطرّف التابع لمنظمة إرهابية يهودية هي "شباب التلال" في السطو على تلال في المنطقة وإقامة البؤر الاستيطانية، الا أنّ اللافت كونه متحدثًا باسم أعضاء حزب "الكنيست"، "عتسما يهوديت" (تحالف الأحزاب اليمينية الدينية المتطرّفة). هنا علّقت صحيفة "هآرتس" العبرية بالقول إنّ هذا "يعلمنا أنه لا فرق بين "شباب التلال" وممثليهم في الكنيست والحكومة". ويُذكر مشهد سابق نشره الإعلام العبري، وقد ظهر فيه أحد عناصر المجموعة الإرهابية، زاعمًا "ما تقوم به مجموعة "شباب التلال" هو استعادة السيطرة اليهودية على مئات وآلاف الدونمات، وهو ما لا يستطيع فعله أي جندي خلال خدمته العسكرية".
وجدت هذه الجماعات الإرهابية هامشًا أكبر للتحرّك مع وصول اليمين المتطرّف وشخصياته – التي هي بالأساس قائمة أو مرتبطة بمنظمات إرهابية – ومن أبرزها وزير أمن الاحتلال ايتمار بن غفير ووزير المالية بتسلائيل سموتريتش. شكّل سيطرة اليمين غطاءً سياسيًا مهمًا ودعمًا سياسيًا كبيرًا، منح تلك الجماعات الحصانات والامتيازات. ومن ناحية أخرى، تستغل المنظمات الأزمة الداخلية المستمرة وانعكاساتها على المستويات كافة بما أدى الى تراجع كفاءة بعض الأجهزة المعنية أو تراخي بسبب الانقسامات.
كيف تدعم الحكومة المنظمات الإرهابية؟
لفت الكاتب في صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، يوآب ليمور، أنّ " مثل هذه الاعتداءات حدثت في الماضي، والفارق الآن هو في الكم ووقاحة اليهود وثقتهم بأنفسهم، يأتي هذا من عدة أسباب، من بينها ضعف التعليم وتراخي النظام القضائي، والشيء الرئيسي والأهم هو الدعم الذي تحصل عليه هذه العصابات من الأعلى، من أعلى مستوى ممكن، من وزير الأمن القومي ووزير المالية ومن أعضاء حزبيهما".
يتمثّل جزء من الدعم في "التعليمات بالتزام الصمت في التحقيقات والاستعانة بمحامين متخصصين في مساعدة عصابات التلال، والاهتمام بمصير السلاح المستخدم في الحادث"، وأضاف الكاتب أنّ "كل هذا ليس سلوك مجموعة حديثة، ولكن لمنظمة إرهابية"، مشيرًا الى أنّ الإجراءات المتخذة بحق اليهود المتورطين بأعمال العنف – الاعتقال الإداري – "ليست كافية "مع وجود قوة شرطة متراخية، وجيش يتعرض للهجوم والضرب، وسياسيين جبناء... ليس من المبالغة القول بأن الأسوأ لم يأت بعد".
عناصر الجماعات المتطرفة تحظى بـ "امتيازات" من بن غفير
ذكرت "القناة 13" العبرية إنّ "مسيرة من أعضاء الكنيست وصلت اليوم الى المستشفى لزيارة اليهودي المشتبه به بقتل الفلسطيني". فيما أوضح محلل القناة، رفيف دروكير، أنّ "بن غفير" دائمًا ما يتدخّل لصالح الإرهابيّين. ففي جريمة حوارة "حاول بن غفير ومكتبه التدخل لصالح اثنين من المعتقلين الإداريين ومشتبه بهما بالقيام بأعمال خطيرة، من أجل تحسين ظروف اعتقالهم"، لافتًا "هذا الأمر بديهي لكنه مدهش جدًا، هذا الامر يبدأ من تقارب أيديولوجي، لكن يوجد ايضًا تقارب شخصي".
تابع الكاتب "واحد من المتورطين كان بن غفير يمثله كمحامي قبل 6 سنوات، وآخر (عميرام بن أولئيل) هو نفس الشخص الذي أدين بالقتل الفظيع في دوما (قرية فلسطينية في نابلس) لعائلة، وثالث (حنمئيل دروفمان) هو رئيس طاقم بن غفير وصديقه منذ الطفولة. أمّا الرابع فهو شقيق مدير عام وزارة الأمن الداخلي الحاخام شموئل الياهو وقد تدخل مكتب بن غفير من أجل تحسين ظروف اعتقاله... هذا الأمر يتكرر بمعنى أنه على رأس جدول أعمال بن غفير ومكتبه". وعلّق "بن غفير" على هذه الأحداث بزعم "إن هذه كانت إحدى التعهدات الانتخابية، في فترته لن تكون هناك مخيمات صيفية للعرب الذين قتلوا يهود ولن تكون هناك زنازين لأسرى أمنيين يهود".
"تشريع" يصب في مصلحة المنظمات الإرهابية
بدورها رأت صحيفة "هآرتس" العبرية أن "اعتداءات اليهود ليست غير عادية وهي آخذة في الازدياد، خاصة عندما يتضح لهم أن ممثليهم يسيطرون على الحكومة وأنهم يدعمونها. هذه المرة انتهى الحدث بالقتل، وأفاد مصدر أمني أن اليهود جاءوا من بؤرة غير شرعية في المنطقة. ولكن قريبًا سيصبح ما هو غير قانوني قانونيًا، لأن "الكنيست" سيشرّع ما يشاء دون أيّ قيود". وأضافت في وقت سابق طلبت "الإدارة المدنية" للاحتلال إخلاء البؤرة الاستيطانية "عوز صهيون" لكن الطلبات قوبلت برفض "سموتريش" الذي يسيطر على إدارة الاستيطان في وزارة الجيش".
كذلك اعتبر الباحث "الإسرائيلي" في معهد أبحاث الأمن القومي، كوبي ميخائيل، أن "الإرهاب اليهودي آخذ في التنامي تحت رعاية عدم كفاءة إنفاذ القانون والنظام الإسرائيلي، والقيود المفروضة على الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية فيما يتعلق بفرض القانون الصارم والحاسم، والنظام العام فيما يتعلق بخرق القانون من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة والعنيفة، إلى جانب الدعم الذي يحصلون عليه من قبل كبار المسؤولين السياسيين المؤثرين في الحكومة الإسرائيلية".
وشرح الكاتب خطورة هذا التصاعد الذي "يضعف الجيش الإسرائيلي والدولة والجمهور اليهودي ككل في الداخل وأمام المجتمع الدولي"، مشيرًا على أنّ هذا العنف سيجلب التهديد الخارجي أيضًا، بمعنى أن الشعب الفلسطيني سينفّذ عمليات الرّد على هذه الجرائم، وستتلقّى “تل أبيب" الضربات اذ "سيكون من الصحيح أن نرى الهجوم في تل أبيب، كشارة تحذير قبل فوات الأوان". (في إشارة الى العملية الفردية التي نفذها الشهيد كامل أبو بكر بعد يوم على استشهاد عصيان وأسفرت عن مقتل حارس أمن وإصابة مستوطنين آخرين).
"شباب التلال"
بالعودة الى المنظمة الإرهابية المتورّطة بجرائم العنف ومنها قتل الشاب الفلسطيني عصيان، فإنّ "شباب التلال" أو "شبيبة التلال" هي مجموعاتٍ شبابيّةٍ من المستوطنين (لا تتجاوز أعمارهم في الغالب الـ 25 عامًا) يصل تعدادها إلى المئات مع آلاف المناصرين لهم من اليهود. ينتظمون على شكل خلايا صغيرة، تنتمي إيديولوجيًا الى تيار الصهيونيّة الدينيّة، ويزعمون "السيادة المطلقة لليهود على فلسطين، والحلم بإقامة مملكة داوود عليها".
نشأت تقريبًا في التسعينيات، ونشطت في إقامة البؤر الاستيطانية وغالبًا عند تلال الضفة الغربية والقدس المحتلّة. ويركّز عملها هذه المنظمة على الاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم ومساجدهم وكنائسهم ومزروعاتهم، وثانياً، سرقة الأراضي لإقامة البؤر الاستيطانية. وتنفّذ هجماتهم بتخطيط مسبق، مع ترك شعارات تعبّر عن دوافعهم الإيديولوجية وإجرامهم الدفين، مثل "الموت للعرب".
منذ نهاية التسعينيات، ولغاية نهاية عام 2020، أقامت "شبيبة التلال" الإرهابية 170 بؤرة استيطانية، وتواصل محاولات إقامة المزيد، الا أن المقاومة الفلسطينية والتحركات الشعبية ساهمت في إفشال العديد من مخططات هذه العصابات الصهيونية. على سبيل المثال أفشلت المقاومة لإقامة بؤرة "عادي عاد" المقامة على أراضي قرية المغيّر، و"ديرخ هأفوت" المقامة على أراضي قرية الخضر، وبؤرة "أحياه" على أراضي قرية جالود.
لم تحظَ هذه المنظمة الإرهابية ومثيلاتها بدعم المستوى السياسي فقط، اذ سبق وصول حكومة اليمين المتطرّف، دعم عسكري وأمني لهذه المنظمات التي تنفّذ هجماتها ضد الفلسطينيين بحماية من جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية.
كما قدّم قضاء الاحتلال المساعدات لأعضائها وأرشدهم إلى كيفية التملّص والتحايل على التحقيقات. وقد بيّنت منظمة "يش دين الإسرائيلية" أن 91% من ملفات التحقيق، وعددها 1200 ملف، التي فتحتها شرطة الاحتلال في الضفة الغربية ضدَّ مستوطنين بين الأعوام 2005-2019 بسبب اعتداءاتهم على الفلسطينيين، أُغلقتْ دون تقديم لائحة اتهام. وذلك بحجةِ أنَّ المتَّهم لم يُعرفْ، أو فقدان الشرطة الإسرائيلية الملف أو عدم وجود ذنبٍ جنائي! وفي حالات أخرى أُخرجَ العديد منهم بحجّة وجود اضطراباتٍ نفسية.
الكاتب: غرفة التحرير