الخميس 31 آب , 2023 03:42

طلال سلمان منارة الصحافة التحررية للعرب

الراحل طلال سلمان

عام 1956، توجّه أحد شباب البقاع المفعمين بمشاعر الغربة والحرمان والفقر إلى بيروت، وهو لا يملك أي مهنة إلا إتقانه اللغة العربية، فاختارته الكلمة قبل ان أن يختارها، وعمل مصححًا ومدققًا لغويًا في جريدة الشرق التي كانت تصدر ظهرًا، ثم بائع خرضوات كي يتسنى له متابعة دراسته في المدرسة العاملية في بيروت بقية النهار. هكذا بدأ طلال سلمان مهنة المتاعب، وتقلّب فيها متمحصًّا ببلائها حتى وصل إلى حالة الاعتقال ومن ثمّ محاولة الاغتيال عام 1984.

لم ينتمِ طلال سلمان الصحفي القومي إلى أي حزب، لكن جريدة السفير التي أسسها عام 1974، كانت أكثر فعاليةً للعرب أكثر من أي حزب. حيث تبنى الهوية العربية ولم يجارِ التيارات المعادية للعروبة، أو تلك التي كانت تصبّ في مجاري سياسات معادية للعرب أو موالية لإسرائيل. وعندما سئل في إحدى المقابلات عن أنه كان "أقرب للمعارضة" التي كانت متمثلة بحزب الله حينها، وأُشكِل عليه بأن المعارضة متحالفة مع إيران  وهي ليست عربية، فكيف يحافظ على هويته كما يقول، فلم يقبل هذه المغالطة وهذا التعميم، معتبرًا أن خطّه وتفكيره ومبادئه التقدمية والقومية تتلاقى مع هذا التيار السياسي (المعارضة المتمثلة بحزب الله) وهذا لا يفسد من عروبته وقوميته أية قضية. واصفًا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالرجل المناضل والعظيم الذي يقاتل من أجل شرف الأمة. معتبرًا أنه " عار على جبين الامة ان تتخلى عن مناضليها الكبار أمثال «حسن نصر الله» ويتركون اعداءها يقررون مصيرهم بدل أن تقف مع المجاهدين الذين قاتلوا اسرائيل وانتصروا عليها في لبنان باسم الامة، فالسيد لم يقاتل اسرائيل لثأر شخصي بينه وبينها، بل من أجل الامة لحاضرها ومستقبلها، هذا الرجل الذي لا يرى الشمس ولا تراه".

وفي مقابل الأوسمة والدروع التي كرّمته على مدى خمسين عامًا، يقف الشاعر والأديب حتى في مقاله السياسي، مختبئًا بعباءة الصحفي، ويعتبر أنّ "الجائزة الحقيقية التي تلقاها، هي اتصالات الناس ورسائلهم اليه، في كل مرة استطاع إيجاد حل لمشاكلهم. إنها تلك العلاقة الضميرية بين الصحيفة والقارئ، علاقة التكامل بينهما التي تساعده على تكوين وجدانه وقناعته ورأيه السياسي. فالجائزة الكبرى ينالها الصحافي عندما يتمكّن من إقامة علاقة صحيحة وناجحة مع القارئ". وكان يطمح أن تتوسع مؤسسة السفير في المستقبل حتى تضم مجلة. وربما علاقة توأمة مع أحد التلفزيونات، وتعزيز مركز الدراسات العربية، ولكن التنفيذ كان مرتبطًا بالظروف الاقتصادية للبلد، وبعودة العلاقات العربية الطبيعية في العقد الأول من هذا القرن الحادي والعشرين. وما حصل أن أُقفلت صفحات السفير وأطفأت الأنوار في مكاتبها وأعطت مطبعتها إجازة مفتوحة لعدم قدرتها على تأمين النفقات المالية مع تراجع أعداد القراء فضلاً عن أسباب خاصة تخصّ ناشرها. وصدر عدد الوداع والأخير الأربعاء 4 كانون الثاني 2017 وتصدّرت الصفحة الاولى مقالة لسلمان بعنوان "السفير 13552: تغيب.. ولا تنطفئ!

كانت السفير التي تألقت وتمكنت من فرض حضورها على المشهد الصحافي من الأسبوع الأول مصداقًا للصحافة القومية الملتزمة بقضايا العروبة وأصبحت الناطقة باسم القوميين العرب بعد أربع سنوات على وفاة جمال عبد الناصر، ومرور سنة على حرب تشرين 1973. وبقيت حريصة على تراث الناصرية مع انفتاح كتّابها ومحرريها على جملة من الافكار والايديولوجيات. وقد شكلت السفير رافعة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي منذ انطلاقتها، وفتحت صفحاتها للمقاومة ورافقتها حتى التحرير في العام 2000، ولازمها خيار نصرة فلسطين والمقاومة من عددها الاول الى يوم إقفالها.

رحل طلال سلمان وبقي إرثه الصحفي منارة للصحافة التحررية في المنطقة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور