لم يحدد السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، طبيعة او تفاصيل خطته والتهديد الذي وجهّه نحو إعلان الولايات المتحدة الأميركية نيتها نقل أمر حراسة الحدود العراقية- السورية لجيش السحج أو السحجة الذي تحدثنا عنه في مقال سابق، ولكننا نعرف جميعاً أن ذلك سيكون عبر بدء مقاومة شرسة تعيد الجنود الأميركيين بشكل أفقي إلى بيوتهم. فما تريده الولايات المتحدة، هو إقامة درع على الحدود مع بين البلدين الشقيقين يضمن سيطرتها المطلقة على معبر البوكمال، وغيره من "المعابر" لتوضع تحت رقابة الإحتلال الأميركي وأعوانه، وبالتالي تأمل الولايات المتحدة بذلك أن توقف شحنات السلاح التي تمر إلى المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. هذا في العام، وأما في الخاص فإن كل نقطة تحدث فيها السيد نصر الله توضح التحذير الذي حمله خطاب الإنتصار الثاني مما هو قادم، وقد بدأ يحدث اليوم في الشمال الشرقي السوري، وخاصة لناحية الخطة الأميركية في هذا البلد.
وجّه السيد نصر الله خطابه للأميركيين تحديدا، الذين يهدفون من خلال إحتلال التنف والشمال الشرقي إضعاف سوريا عبر حرمانها من ثرواتها ونهبها وإلى حماية العدو الأزلي لهذه المنطقة، ألا وهو الكيان العبري "اسرائيل". وهناك أمران هامان يجب على الأميركي ان يدركهما جيداً أولهما، أن القضية الفلسطينية كانت ومازالت قضية مركزية للشعب العربي ولجزء كبير من الشعوب الممتدة على طول وعرض غرب آسيا، وفي مناطق أخرى من العالم. والأمر الثاني، أن المقاومة في لبنان لن تسمح أبدأً لأي كان بوقف دعم قوتها العسكرية واللوجستية، فالجميع يعلم، بما فيهم الأميركي والصهيوني، أن هناك تحضيرات تجري على قدم وساق للمعركة الكبرى القادمة، والتي ستأتي على نهاية "إسرائيل". والأمر الثاني، الذي لا يفهمه الأميركي، يتعلق بالوفاء للدم المقاوم العربي والصديق الذي سال على الأرض السورية خلال قتال المجموعات الإرهابية من داعش والنصرة من أجل تحرير منطقة البادية السورية، وما تزال سوريا وحلفاؤها في محور المقاومة يدفعونه من أجل الحفاظ على هذا التحرير.
ولهذا فمن المنطقي أن يكون الحديث عن استعداد المقاومة، من خلال حديث السيد نصر الله، حول الذهاب للقتال مع الأميركي إذا لزم الأمر من أجل أن يبقى هذا المعبر مفتوحاً. المشكلة الأساسية في الحفاظ على هذا المعبر تتعلق بالقوات العميلة من جيش السحجة وغيره الذي أنشأه الأميركي. والمبرر عنده من خلال ما نشر على الفورين أفيرز: أن الأميركي يرى في المعبر استراتيجية إيرانية من أجل شن هجوم استباقي من جميع المحاور لزعزعة استقرار الجيش الأميركي في العراق وسوريا. ومن هذا المنطلق أيضاً يفهم تماماً كلام السيد نصر الله عندما يتحدث عن أن المعركة في التنف وشرق سوريا بالعموم هي معركة مع الأميركي، ولكن من خلال جيش السحجة.
الدور الأميركي في أحداث دير الزور
بالتأكيد انطلاق الهجومات وما يحدث منذ أسبوع تقريباً في الشمال الشرقي من سوريا من قتال بين قوات مجلس العشائر وقسد الكردية، والمخطط الأميركي لتقسيم سوريا أحد اهم أهدافه السيطرة على الحدود العراقية- السورية، وما شهدناه من تحركات وانتشارات للجيش الأميركي في البحر الأحمر والخليج، واستقدام الفرقة العاشرة الجبلية الأميركية والتي من المفترض أنها مدربة للقتال في المناطق ذات الطبيعة القاسية، والتي سترفع من "مقدرة" جيش الإحتلال الأميركي في سوريا انما هو لتأمين الدعم لأعوانه وجماعاته المسلحة والتنظيمات التكفيرية داعش والنصرة وللجماعات الكردية وفي مقدمتها قسد التي يتلاعب بها جميعاً ويستخدمها وقوداً في مشروعها التقسيمي لسوريا. ما يحدث اليوم ينطلق من تحقيق هدفين أساسيين وكلاهما مرتبطان بتأديب وتحجيم قسد، لأن الأخيرة رفضت قتال الجيش العربي السوري، ذلك لأنها تحاول حفظ "خط الرجعة" في حال تخلى عنها الأميركي، ولأنها ماتزال على علاقة خاصة بالروسي ولم تبن ملامح العلاقة بشكل واضح حتى اليوم. والهدف الثاني، إرضاء التركي، الذي يريد إبعاد مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني عن حدوده وبالتالي تقليص مساحة سيطرة قسد والسيطرة على الشمال عبر أعوانه.
وانطلاقاً مما سبق يظهر جلياً أن مع صرح به مصدر خاص للخنادق بأن ما يحدث هو: "مشروع أميركي، والباقي تحضيرات، فالأميركي أذكى من أن يدخل في مواجهة مع المحور، وهو يحاول إنشاء كيان سني من المجموعات المتقاتلة ليحارب بها". أي أنه يسعى إلى تحشيدات طائفية سنية يضعها في مواجهة المحور ولا سيما "لواء الإمام الحسين" التابع لقوة القدس في حرس الثورة الإيرانية والذي أنشأته إيران في سوريا بحسب إدعاء مجلة نيوزويك الأميركية نقلاً عن مصدر استخباراتي.
وهذه القوة السنية تقع تحت بند إعادة داعش إلى المنطقة، والتي يتم دخولها إلى الأراضي السورية تهريباً عبر الحدود الاردنية. وقد لفت خطاب السيد نصر الله إلى هذه النقطة، وإعادة داعش بالتأكيد لتوظيفها في خدمة العدو الصهيوني والإحتلال الأميركي عبر تنفيذها لعمليات إرهابية أو فبركة هجوم على قوات أميركية أو عمليات ضد الأبرياء المدنيين في سوريا ولبنان والعراق. والسبب وراء ذلك: التأكيد للناخب الأميركي وبالتالي للكونغرس الأميركي أن الإرهاب مازال يرتع فوق الأراضي السورية والعراقية، وأن الحاجة للتمديد للجيش الأميركي مازالت قائمة. إذ علينا ألا ننسى أبداً أن الحكومة الأميركية بحاجة ماسة لتبرير خططها وخطواتها أمام الناخب والكونغرس على حد سواء، خاصة إذا ما كان الكونغرس بأغلبيته جمهورياً والرئيس ديمقراطياً. كما أنه علينا أن لاننسى أن مشروع تقسيم سوريا هو مشروع ديمقراطي ابتدأ مع حكومة باراك أوباما بقيادة هيلاري كلينتون وما زال مستمراً في زمن جو بايدن.
وبقيت النقطة الأهم والتي تظهر محدداتها اليوم في الشمال الشرقي من سوريا، والتي أثارها السيد نصر الله، والتي تقول بأن هناك من يريد جر المنطقة إلى حرب إقليمية اليوم. فلنكن واقعيين: "إسرائيل" حتى اليوم لم تتخلَ عن مشروعها بشن حرب على إيران، والقصف المتكرر للمستشارين الإيرانيين ولمواقع يتواجد فيها هؤلاء في مطار حلب او مطار دمشق الدولي، ومطارات أخرى لم يتوقف يوماً. وهذا القصف هو عبارة عن سلسلسة متصلة من الإستفزاز، والذي ردت عليه إيران عندما قصفت قاعدة الإحتلال الأميركي في التنف. وتأمل أميركا بحماية قاعدتها عبر إغلاق الحدود السورية العراقية، ولذا كما قال السيد نصر الله، أن الحرب ليست مع قسد أو حلفاء أميركا، ونضيف هنا حلفاء تركيا، بل هي مع أميركا وتركيا إن لم تتخذ الأخيرة موقفاً سلمياً من سوريا. أضف أن تطور الحرب سيؤدي إلى دخول كل من تركيا وأميركا والكيان الصهيوني باللحم الحي وليس بالقصف فقط هذا من جهة، ودخول السوري والروسي والإيراني وبالتأكيد المقاومة الإسلامية من جهة أخرى، فخسارة المعركة لصالح المشروع الأميركي هي خسارة لمحور المقاومة جميعاً.
تأمل "اسرائيل" بفتح الحرب عبر استمرار استهداف المستشارين العسكريين الإيرانيين، وتأمل أميركا باستمرار تبرير وجودها عبر تمرير المزيد من إرهابي داعش. ولكن الأمل الكبير سيبقى معقوداً على محور المقاومة، ويمكننا القول أن هذه هي المعركة الحقيقية التي ستغير جميع المعادلات والتي ستقوم بإخراج الأميركيين نهائياً من سوريا ومن العراق "ولن يسمح لهؤلاء بالعبث من جديد لا في أمن سوريا ولا في أمن لبنان ولا العراق، ولا في المنطقة كلها"، كما قال السيد نصرالله.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU