الخميس 12 تشرين أول , 2023 03:25

الواقع الميداني في "طوفان الأقصى": لغز الإنجاز الفلسطيني

طوفان الأقصى

بلغ "طوفان الأقصى" يومه السادس، ولا يزال كيان الاحتلال عالقاً في دوامة سؤال اليوم الأول: كيف لكل ما حدثَ أن يحدث؟ كلّ الأحداث التي شهدتها ليالي الحرب، من قصف همجي للمدنيين في قطاع غزة المحاصر، وارتكاب مزيد من المجازر الجماعية التي ترقى إلى مستوى الإبادة، تشير إلى نفاذ الخيارات أمام مسؤولي الكيان وهذا ما يفسر اعتمادهم، إلى الآن، على سلاح الجو دون غيره. ولو أن غزو القطاع بعملية برية هو أحد السيناريوهات المطروحة على الطاولة، إلا أن قدرات المقاومة، التي وثقتها مجريات الأحداث منذ ما قبل انطلاق العملية، تؤكد أن جعبة الشعب الفلسطيني حبلى بالمفاجآت وأن ما خفي أعظم.

ترتكز العقيدة العسكرية الإسرائيلية على ضرب أهداف محددة مسبقاً كضربة أولى، وإلزام القوات البرية بالدخول إلى ميدان القتال ثانياً، ثم إطلاق هجوم بريٍّ عادة ما يكون محدوداً والاستمرار بالضغط الدبلوماسي مرفقاً ببطش عسكري لإنضاج وقف إطلاق النار أخيراً. ويقول العقيد في جيش الاحتلال، رون تيرا (وهو طيار مقاتل سابق يتمتع بخبرة تقارب 40 عاماً في القوة الجوية والاستخبارات والعمليات الخاصة) في مقاربته للحملات العسكرية التي خاضتها "إسرائيل" منذ عام 1993 إلى 2014 في فلسطين ولبنان أن مختلف تلك المعارك كانت مخالفة للعقيدة اذ أن الجيش خلالها لم يعتمد على سلسلة من العمليات الحاسمة والسريعة على أساس تنفيذ هجمات مفاجئة، بل "حطمت الدبابات الإسرائيلية أرقاماً قياسية عالمية من حيث المسافة المخترقة في أرض العدو -أي عمق الهجوم-".

حينها، ركز كيان الاحتلال على تحقيق نتائج متواضعة بتكلفة متواضعة أيضاً، وأخذ بتأجيل القرارات الأكثر كلفة إلى أبعد وقت ممكن، معتبراً أن أي هدف "للعدو" لا يشمل "الاستيلاء" على الأراضي، يعد هدفاً ثانوياً. استمرت المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية بانتهاج تلك العقيدة دون إجراء تعديلات تذكر على جوهرها، مع اعتقادها أن خروج مقاتلين من غزة إلى الأراضي المحتلة أمراً غير وارد. لكن، ما أحدثه "طوفان الأقصى" ضرب عمق العقيدة الأمنية العسكرية الإسرائيلية، حتى خرجت "إسرائيل" بهذه الصورة من التخبط الأعمى أمام مرأى العالم بأسره.

الواقع، أن الصدمة أتت نتيجة تجمع عدد من العوامل التي راكمتها تفاصيل الأحداث التي جرت منذ ما قبل فجر 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، في الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران، وهي كالتالي:

-قدرة المقاومة الفلسطينية على الحفاظ على سريّة العملية منذ بدء الإعداد لها. وعمل بهذا الحجم يتطلب التخطيط لأشهر بالحد الأدنى. خاصة مع الخرق الإسرائيلي لمختلف شبكات التواصل والاتصال بما فيها اللاسلكي وسلاح الإشارة، (بحسب الإعلام العبري فإن المقاتلين الذين اجتازوا السياج يصل إلى 2000 مقاتل ما يعني أن ما كانوا على علم بالعملية هم أكثر من ذلك).   وهذا يعني وجود سلاح إشارة رديف لم يستطع الاحتلال اكتشافه بعد. ويأتي في هذا السياق، قدرة التواصل والتنسيق بين المركز في غزة والمقاتلين الذين عبروا إلى الأراضي المحتلة، رغم التشويش والقصف المستمر بأعلى مستوياته.

-الفشل في إيقاف الصواريخ: يعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو بأن السبب الأساسي للقصف المتواصل على غزة، بشكل لم تشهده من قبل، هو القضاء على "حماس". مع توسع الرقعة الجغرافية للاستهداف الصاروخي للمقاومة لتصل إلى شط الخضيرة ومناطق شمالي الضفة، يكشف عن تطور المديات بدائرة تتسع ولا تضيق نتيجة إدارة صاروخية لافتة. وبالتالي، فإن جيش الاحتلال لم يستطع القضاء على حماس وحسب، بل فشل في قطع أذرعها الممتدة إلى عمقه في الداخل المحتل.

-قدرة الاقتحام والتسلل: وهو ما قامت به كتيبة جوية أطلق عليها "سرب صقر" توغلت داخل الأراضي المحتلة، عبر مركبات شراعية. ويعتبر هذا السلاح الذي يكشف عنه للمرة الأولى، مفاجأة لجيش الاحتلال، بعد التوغل البري عبر الأنفاق، إلى جانب الضفادع البشرية، والقصف الصاروخي. اللافت، أن الفشل الاستخباري الذي مني به الأخير لا زال مستمراً مع عدم قدرته على اعادة الامساك بزمام الامور في غلاف غزة، إذ أن مجموعات المقاومة لا تزال تنتقل الى هذه المنطقة التي تشهد مواجهات في أكثر من نقطة، بل ويجري تبديل المقاتلين باستمرار بحسب ما كشفت كتائب القسام في بياناتها.

ثمة من يقول، أن لجوء نتنياهو إلى تنفيذ عملية برية في قطاع غزة، هو أمر محسوم في ظل نضوب الخيارات الأخرى التي من الممكن لها إرساء بعض من التوازن بين فعل المقاومة وردة فعل "إسرائيل". في حين، أن تحقيق الهدف من العملية ليس حتمياً، في ظل ما مني به جيش الاحتلال في تجارب سابقة:

- في تموز/يوليو عام 2006، كان الهدف الإسرائيلي في الحد الأدنى إجبار حزب الله على الانسحاب من مناطق جنوبي نهر الليطاني. وهذا ما لم ينجح مطلقاً، على الرغم من الاجتياح البري.

- في تموز/ يوليو عام 2014، خلال عملية "العصف المأكول" فشلت إسرائيل في منع إطلاق الصواريخ على المستوطنات، شمالاً وجنوباً، على الرغم من استخدامه آلته العسكرية في أقصى قوتها، ولم تفلح في القضاء على مراكز قوة المقاومة على الرغم من الاجتياح البري لغزّة أيضاً.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور