الجمعة 17 تشرين ثاني , 2023 02:50

من اجتياح بيروت...إلى حرب غزة رسائل وعبّر

غزة تحت القصف الإسرائيلي

عملية "طوفان الأقصى" التي شكّلت تحدياً للكيان المؤقت، وهزيمة استراتيجية لجيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الاستخباراتية، ورغم أنها تكاد تتحول الى نكبة للإنسان والحجر، لكنها تعتبر ملحمة بطولية للمقاومين الفلسطينيين، فيما العدو يسعى الى تحويلها الى فرصة لتحقيق انتصارات عجز عن تحقيقها على أرض المعركة، ومن باب التسويات طرح البعض ما يسمى "نموذج بيروت" كحل وتغطية للفشل الإسرائيلي الذريع. لكن كثراً قد لا يتذكرون بعض تفاصيل ما حصل في بيروت عام 1982، الأمر الذي سنحاول الإضاءة عليه في مرحلة ما قبل خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت وما بعدها.

صباح يوم 4 حزيران /يونيو 1982 استيقظ اللبنانيون على غارات للطيران المعادي على بيروت على خلفية محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغون الذي أصيب إصابة بالغة، كانت المحاولة شرارة غزو لبنان، تحت مسمى "عملية سلامة الجليل".

ومع بدء العمليات براً وجواً وبحراً صرح مصدر مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية بأن الغارات الإسرائيلية "هي مقدمات لزيارة فيليب حبيب الى المنطقة. وأنه قرار أميركي بإبادة الشعب الفلسطيني والقوى اللبنانية وهذه هي المعالجة الأميركية لاختلال موازين القوى في المنطقة". ومع حلول السادس من حزيران/ يونيو 1982 بدأ الجيش الإسرائيلي اجتياحا واسعاً لجنوب لبنان، فيما أعلن الرئيس الإيراني آنذاك السيد علي خامنئي في رسالة بعث فيها الى الرئيس السوري حافظ الأسد "أن إيران تضع قواتها المدرعة والمشاة على أهبة الاستعداد لإرسالها في أول فرصة الى جبهة القتال مع إسرائيل". من جهته، أوفد الرئيس الأميركي موفده الشخصي الى الشرق الأوسط فيليب حبيب فوراً إلى الكيان المؤقت.

وفي 13 حزيران/ يونيو 1982 نقلت لجنة وزارية إسرائيلية الى فيليب حبيب شروطاً إسرائيلية لتسوية سياسية تسبق انسحابها من لبنان هي:

أ-أن الكيان المؤقت لا يوافق على ان تكون في لبنان قواعد "للمخربين".

ب-أن الكيان المؤقت لن يغادر المنطقة التي احتلها "الجيش الإسرائيلي" إلا بعد أن يتم اتخاذ الترتيبات المناسبة التي تمنع قيام تأسيسات جديدة لمنظمات "التخريب"، وتضمن سلامة المستوطنات في الشمال بعيدة عن مدى قذائف المدافع وصواريخ الكاتيوشا.

ج-يطمح الكيان المؤقت أن تجلو عن لبنان كل القوات الأجنبية الموجودة فيه.

في هذه الأثناء، دعا الإمام الراحل آية الله الخميني، في كلمة بثتها الإذاعة الإيرانية، الى استخدام سلاح النفط العربي، ووصف الغزو الإسرائيلي للبنان، بأنه "كارثة على الإسلام وجميع المسلمين". أما رئيس مجلس الشورى الإيراني الشيخ هاشمي رفسنجاني فانتقد قرار وقف إطلاق النار وقال إن “إيران بسبب وجودها على الجبهة لها الحق أكثر من أي دولة أخرى في إدانة قبول وقف إطلاق النار في لبنان"، وأكد على "وجود وحدة إيرانية أولى على الجبهة اللبنانية، وان هناك وحدة أخرى في طريقها الآن"، وختم بالقول “وإذا ما قاومنا لمدة شهور ووصل متطوعو الدول الإسلامية الى الجبهة فسنتمكن من رؤية نهاية الصهيونية في المنطقة".

في 17 حزيران/ يونيو 1982 وجّه الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات رسالة الى جماهير الشعب اللبناني والفلسطيني والقوات المشتركة وجماهير الأمة العربية حيا فيها المقاتلين، وأكد أن بيروت ستكون مقبرة للغزاة. وفي 27 حزيران/يونيو دعا عرفات المبعوث الأميركي فيليب حبيب الى إجراء محادثات مباشرة معه دون وسطاء. وأكد أن إسرائيل ستقوم بهجوم على بيروت الغربية خلال الأسبوع الحالي، وأشار الى أنه "يفتش عن حل سياسي لمنع وقوع ضحايا بين المواطنين العزل".

وفي حديث تلفزيوني بث في الولايات المتحدة دعا عرفات الى حوار مباشر بين المنظمة والولايات المتحدة. فيما قال الإمام الخميني الراحل بعد يومين، "انني أنصح القادة الفلسطينيين بوقف المفاوضات والاعتماد على الله وعلى الشعب الفلسطيني وعلى سلاحهم، وأن يقاتلوا إسرائيل حتى الموت. إن هذه المفاوضات ستثبط عزائم الشعوب التي تقاتل من أجلكم".

صبيحة 19 آب/ أغسطس نشرت الصحف اللبنانية في بيروت نص مشروع فيليب حبيب لخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، والذي تضمن 14 نقطة؛ ومما جاء فيه:

  1. وقف إطلاق النار وقفاً شاملاً.
  2. مغادرة بيروت بطريقة سلمية وفق برنامج زمني.
  3. فريق القوات المتعددة الجنسيات يرافق سير العملية.
  4. في يوم المغادرة ستنتشر القوات المتعددة الجنسيات لتأمين سلامة الفلسطينيين واللبنانيين في المنطقة الغربية.
  5. إذا تعذر تنفيذ أحد البنود تعتبر مهمة القوات المتعددة الجنسيات منتهية.
  6. قيادة المقاومة الفلسطينية تغادر لبنان علناً، ويتم إعلان ذلك على نحو واضح ومكشوف.

وفي 21 آب/أغسطس 1982 انطلقت الدفعة الأولى من المقاتلين الفلسطينيين بحراً الى قبرص ومنها الى الأردن والعراق، فيما غادر ياسر عرفات بيروت الى اليونان، وفي 30 آب/ أغسطس قال عرفات:" أنا راحل غير أن قلبي سيظل في بيروت...ولسوف استمر في النضال فكل الدروب تؤدي الى فلسطين...أما اقامتي في لبنان فكانت مرحلة في معركة".

بعد هذا العرض المطول لبعض الوقائع والمواقف التي رافقت الغزو الإسرائيلي للبنان، وأدى الى خروج المقاومة الفلسطينية، والى جملة أحداث مفصلية في الصراع مع العدو الإسرائيلي.

الخلاصة، إن “نموذج بيروت" أي الاتفاق الذي أخرج المقاومة الفلسطينية لم ينفذ، وحصلت مجازر دموية، حيث اقتحم جيش الاحتلال بيروت خارقاً الاتفاق، وكل ذلك تحت ضمانة ورقابة وتأييد الكتلة الغربية على رأسها أميركا. كما ظهرت مواقف القيادة الفلسطينية المتناقضة. ولعل أهم النتائج الإيجابية للغزو الإسرائيلي لبيروت كان ولادة المقاومة اللبنانية التي لقنت هذا العدو المتغطرس أبلغ الدروس وحققت الانتصارات تلو الانتصارات.


الكاتب: نسيب شمس




روزنامة المحور