كشفت معركة طوفان الأقصى، عن هشاشة القوة العسكرية الإسرائيلية، وأكّدت بأنه لولا الدعم الأمريكي المفتوح والشامل للكيان، لكان انهار منذ زمن بعيد، خاصةً أمام حركات المقاومة.
هذا الدعم العسكري الأمريكي، لا يقتصر على الإمداد بالسلاح والمعدات، أو بتقديم الاستشارات وغيره من الأمور، بل يشمل مشاركة طائرات عسكرية أمريكية مباشرةً في العدوان على قطاع غزة، وخاصةً تلك المنطلقة من قاعدة "سودا باي" اليونانية. وهذا ما كشفته العديد من المقالات والتقارير في مواقع إعلامية المختلفة.
فما هي أبرز وأهم المعلومات حول هذه القاعدة، وكيف تُستخدم في دعم العدوان الأمريكي والإسرائيلي على قطاع غزة (ربما ستُستخدم لاحقاً في دعم اعتداءات أمريكية إسرائيلية على دول أخرى في المنطقة):
_تقع قاعدة "سودا باي– Souda Bay" الشاطئية العملياتية، في موقع استراتيجي في حوض البحر الأبيض المتوسط، في خليج سودا بجزيرة كريت اليونانية، وتعتبر قاعدة عسكرية تابعة للمنطقة البحرية الأمريكية EURAFCENT وتدعم القيادات القتالية الجغرافية الأمريكية الثلاث جوياً وبحرياً: القيادة الأمريكية الأوروبية (EUCOM)، والقيادة الأمريكية في أفريقيا (AFRICOM)، والقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM).
_ هي مركز قيادة وسيطرة للقوات البحرية والجوية الأمريكية، وحلف شمال الأطلسي "ناتو – NATO"، كما تعتبر قاعدة العمليات الأمامية والاستجابة السريعة، للقوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها، لدعم المنطقة البحرية وأوروبا وأفريقيا ومهمة جنوب غرب آسيا.
_تبلغ مساحتها حوالي 445 ألف متر مربع (ما يساوي مساحة 62 ملعب كرة قدم تقريباً)، ويتواجد فيها حوالي 1000 جندي وضابط أمريكي. توالى على قيادتها منذ إنشائها عام 1969، عشرات القادة البحريين الأمريكيين، وحالياً يتولى ذلك الكابتن أودين جيه كلوغ.
_تعتمد أمريكا على هذه القاعدة، لتكون مركزاً لدعم الخطط الأمريكية والأوروبية والأطلسية من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأسود، وخاصةً بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. كما تم تركيز الجهود عليها، من أجل مراقبة القوات الروسية العاملة في سوريا.
_ تتواجد في هذه القاعدة وحدات أمريكية متخصّصة بعمليات الاستطلاع والتنصت، وتقوم بتزويد منتجاتها الاستخبارية للقوات الجوية والبحرية الأمريكية، كما تضم وحدة الاتصالات البحرية والكمبيوتر. وتتيح القاعدة للطائرات إمكانية الوصول إلى مطار صالح في جميع الأحوال الجوية، وللسفن والغواصات وحاملات الطائرات، بالوصول الى رصيف بحري في المياه العميقة، وخدمات التزود بالوقود وإعادة الإمداد بالمؤن والغذاء ومختلف الحاجات.
_لأسباب أمنية استخباراتية، قامت أمريكا بطمس خريطة هذه القاعدة على الإنترنت (Google Map) ، بحيث لا يمكن التعرف عليها، أو على تفاصيل المطار والميناء وأقسامها ومبانيها. كما تفرض القوات الأمريكية حماية أمنية مشددة على مختلف أجزاء القاعدة، ولا يمكن للزوار الدخول إليها، إلا بمواعيد مسبقة ومحددة.
_ تبعد القاعدة عن قطاع غزة حوالي 1042 كم، وكذلك تبعد عن لبنان حوالي 1039 كم.
_برز في الآونة الأخيرة دور عملياتي نشط لها، في دعم الكيان خلال عدوانه على قطاع غزة. ونستعرض هنا بعض التقارير الإعلامية التي تحدثت عن ذلك:
1)في 24 تشرين الأول / أكتوبر 2023 أفاد موقع " Grekreporter.com" أن أمريكا أرسلت عشرات الطائرات العسكرية إلى هذه القاعدة، كجزء من الرد على الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، تم إرسال عدد كبير من مشاة البحرية إلى هناك.
2)في 3 تشرين الثاني / نوفمبر 2023، نقلت شبكة سي إن إن الأمريكية، أن طائرة أمريكية دون طيار ذات مهام "استخبار، استطلاع، مراقبة – ISR"، تحلق فوق قطاع غزة للمساعدة في التعرف على الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة وتحديد مكانهم. وأضافت الـ CNN بأن إرسال هذه الطائرات بدون طيار إلى المنطقة قد جاء في بعد بدء الحرب، لكي تكون قوة تكميلية لزيادة الموارد الاستخباراتية للجيش الأمريكي.
3)كشفت العديد من حسابات منصة X المتخصصة في رصد الطيران، مسار تحليق طائرة HOMER24 من طراز RC-135 المتواجدة في قاعدة السودا، تحلق في المنطقة لدعم القوات الأمريكية (لا يستبعد تمريرها للمعلومات التي تحصل عليها مباشرةً الى جيش الاحتلال الإسرائيلي). آخر رحلة لها كانت في 19 تشرين الثاني / نوفمبر 2023.
HOMER42 back to base in Crete after sigint work off Israel. 64-14842. Rivet Joint RC-135. @thenewarea51 @TheIntelFrog @thebaldgeek @steffanwatkins pic.twitter.com/RM7cT9ujyo
— Peter Vogel (@PeterVogel) November 19, 2023
مع الإشارة إلى أن طائرة بوينغ RC-135 هذه هي عائلة من طائرات الاستطلاع الكبيرة التي صنعتها شركة بوينغ وتم تعديلها من قبل عدد من شركات الأسلحة الأمريكية والغربية. وتستخدمها القوات الجوية الأمريكية لدعم مستهلكي المعلومات الاستخبارية على المستوى الوطني ومسرح الحرب، من خلال قدراتها على التجميع والتحليل والنشر في الوقت الفعلي تقريباً، كما تقوم بجمع المعلومات الاستخبارية الكهرومغناطيسية.
_ يقع بالقرب منها منشأة إطلاق الصواريخ التابعة لحلف شمال الأطلسي (NAMFI): تم تصميم وبناء هذه المنشأة من قبل الناتو، وتعتبر واحدة من أهم مراكز التدريب التابعة للحلف، وتضم مرابض لإطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها، كما تضم راداراً لتتبع الصواريخ المتعددة.
ضباط وجنود أمريكيون يرفضون المشاركة في الجرائم الإسرائيلية
قبل عامين، تم إرسال مجموعة من الضباط والجنود الأمريكيين الذين غادروا أفغانستان إليها. وبعد بدء العدوان الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة، كان أفراد القوات الأمريكية في القاعدة، غير سعداء بمهامهم الجديدة، فلم يقبلوا فكرة مساعدة إسرائيل في الحرب على الإطلاق، من خلال ما يقدمونه من دعم لكيان الاحتلال بالاستخبارات والاستطلاع والتنصت. فهم سرعان ما أدركوا بأن الكيان يرتكب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، وبأن حماية حياة المدنيين ليس مهماً بالنسبة لإسرائيل. وقد أثار هذا الموضوع غضبهم، بل وأصبحوا يخشون من مشاركتهم في جرائم الحرب.
لذلك عمدوا الى فضح دور هذه القاعدة في العدوان، لكن وسائل الاعلام الأمريكية رفضت التعاون. وأخيراً، اتصلوا بجهات اعلامية يثقون بها وأعطوها المعلومات عن القاعدة، وطلبوا منها توزيع ذلك على أوسع نطاق.
أصوات يونانية معارضة لدور هذه القاعدة في العدوان
من جانب آخر، فإن الرأي العام اليوناني يدعم القضية الفلسطينية، ويعارض بشدة الوجود العسكري الأمريكي. وقد أظهر غالبية اليونانيين تاريخياً دعمهم القوي لفلسطين، وقد تطورت هذه المشاعر في أعقاب العدوان الأخير على قطاع غزة. بحيث خرجت مظاهرات واحتجاجات في جميع أنحاء اليونان للتنديد بالصراع، والتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.
وفي الوقت نفسه، كانت هناك معارضة طويلة الأمد لوجود القواعد العسكرية الأمريكية في البلاد، مع مخاوف بشأن السيادة والتأثير البيئي والتوافق مع قرارات السياسة الخارجية الأمريكية. وقد أدى الكشف عن قيام قاعدة "سودا باي" بتسهيل الدعم لإسرائيل، إلى زيادة هذه المخاوف وإضافة طبقة من التعقيد إلى العلاقة المثيرة للجدل بالفعل بين الجيش الأمريكي والجمهور اليوناني، وهذا ما تؤكده العديد من وسائل الإعلام اليونانية. ومن المثير للاهتمام أن اليونان أرسلت مؤخرًا طائرة من طراز سي-130 تحمل إمدادات إنسانية إلى مصر، لتسليمها إلى سكان غزة، لذلك فمن المحتمل جداً بأن تكون هذه الخطوة قد جاءت للتغطية على دعم البلاد للعمليات العسكرية الأمريكية واسترضاء شعبها.
الكاتب: غرفة التحرير