الجمعة 15 كانون الاول , 2023 08:46

حرب المدن تُظهر فشل السيوف الحديدية

جنود الاحتلال الإسرائيلي في غزة

حرب المدن هي معارك تجري داخل المدن بين الأحياء والأزقة، وسط العوائق والمباني. وتتميز بصعوبتها بالنسبة للجيوش المقتحمة والنظامية على وجه الخصوص، حيث تكون الأفضلية غالباً لمجموعات المقاتلين القاطنة في المدن، كما تفضلها القوات غير النظامية لما تمتلكه من ميزة المباغتة، وأمور أخرى تساعدها على إبطال التكنولوجيا المتقدمة للجيش النظامي. في هذا الإطار، ينفّذ جيش الاحتلال في قطاع غزة حرباً تندرج ضمن معارك حرب المدن، ونظرياً أن الفوز فيها مرهون بعاملين، أولاً، تعاون أهل المدن مع الغزاةـ وانقلاب الولاء لصالحه. وثانياً، وجود نقاط ضعف في بنية القوة المدافعة لم تعمل على ترميمها قبل وخلال الحرب مما سرّع في هزيمتها.

إضافة إلى ذلك، تبعاً للمنظرين العسكريين من "صن تزو" إلى "ليديل هارت وبوفر" فإن حرب المدن الناجحة تعتمد على عناصر لا بد من توافرها، وفي السطور التالية، عرض لهذه العناصر وتفسيرها بشكل مختصر، مع تبيان فشل جيش الاحتلال في تحقيقها:

- الهدف: تقوم قيادة الاحتلال في المستويين الاستراتيجي والتعبوي بالتعديل اليومي على خططها العسكرية في جميع مناطق العمليات لأسباب تتعلق بوضع أهداف عامة وثانوية مسبقة وافتراضية عالية السقف ومبالغ فيها.

- السرعة والمفاجأة: يبدو من التباطؤ الذي يميز سمة تحرك جيش الاحتلال في هذه الحرب أن عنصري المفاجأة والسرعة مفقودين منذ بداية المناورات البرية (بيت حانون – بيت لاهيا وجميع المحاور الشمالية فضلاً عن المحاور الجنوبية التي بدأ العمل عليها منذ 12 يومًا بعد نهاية الهدنة) وهذا ما يسمح للمقاومة بالعمل بحرية وببناء استعداداتها وتعويض خسائرها بكل حرية، مما يعطيها ميزة المرونة والحركة.

- المباغتة: لم يحقق الاحتلال أي عنصر من عناصر المباغتة منذ بداية العملية، وعلى العكس من ذلك فإن المقاومة منذ كمين شارع النصر، والضربات المتلاحقة في الشاطئ والعطاطرة والتوام ولاحقاً الشيخ رضوان وبيت حانون وصولاً إلى تكرار عناصر المباغتة في الشجاعية والزيتون، باتت تراكم مباغتاتها التكتيكية للعدو لتصبح في النهاية ذات تأثير تعبوي ولاحقاً استراتيجي.

- الزخم: تفتقد الحملات الكبرى التي تنفذها 5 فرق عسكرية منذ اللحظات الأولى للزخم، فالتباطؤ سيد الموقف والخوف من الأسلحة الكاسرة تكتيكيًا للمقاومة يفرض على جيش الاحتلال البطء الشديد.

- إعادة الإمداد: برز في مراحل كثيرة افتقاد الاحتلال للذخيرة من جميع الأعيرة والقذائف وذخائر الدبابات وفي المراحل الأولى من المعركة، ركزت المقاومة على مدار الساعة على استهداف خطوط تموين وإمداد الاحتلال داخل وعلى غلاف غزة، وفي مرحلة لاحقة ظهرت مشكلة ضعف الإمداد أول من أمس، عندما اعترف كيان الاحتلال بأنه يزود بشكل منتظم قواته بالمؤن والعتاد من الجو لحاجة القوات الماسة لها. كما أعلن تزويد الجيش ب 14 ألف قذيفة دبابة لغرض استمرار المعركة بالرغم من عدم قدرته على تبديل دبابات الميركافا التي يتم خسارتها في المعركة.                        

- الأمن: انغماس جيش الاحتلال في وحول غزة أفقده كل استعدادات أمانه فهو بالأصل دخل في المعركة البرية على غزة ليستعيد ويرمم "أمنه" الذي فقده في 7 تشرين أول انطلاقاً من نجاح عملية طوفان الأقصى، ونتيجة أرشيف الاحتلال الأمني فإنه بات مكشوفاً لأعدائه، كما أن جيش الاحتلال لا يمكنه أو لا يدّعي أن قواته بمأمن في كل قطاع غزة.

- العنصر الأخير استراتيجية الخروج: بما ان هذه الاستراتيجية لم تظهر معالمها لحد الآن، إلا أنها مرتبطة بالعنصر الأول فهي تتضمن إنهاء مسألة تحقيق الهدف، وبما أن جيش الاحتلال لم يحقق بعد أهدافه في سياق المعارك الدائرة، ويعمل دائماً على تبديلها بشكل دائم، يشكل ذلك معضلة الخروج من غزة، والحكمة الاستراتيجية تقول "تجنّب جميع النزاعات التي لا مخارج واقعية لها".

باستعراض هذه العناصر التي تثبت فشل جيش الاحتلال في تحقيقها، إضافة لإخفاقاته بعاملي نجاح حرب المدن، اللذان يركزان على تعاون أهل المدن(المدنيين) مع الغازي، ووجود نقاط ضعف في بنية القوة المدافعة أي المقاومة، نستنتج، أن الكيان المؤقت يتجه إلى الخسارة مهما طال أمد المعركة التي أسماها "السيوف الحديدية".


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا




روزنامة المحور