بعد وقوع عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول وتداعياتها الاقتصادية التي شكّلت عبئاً إضافياً على كاهل الاقتصاد الصهيوني، وتقدير نفقات الحرب بـ 200 مليار شيكل، وتدني القدرة الشرائية، وتضاعف مخصصات البنوك لخسائر الائتمان سبعة أضعاف، وتضرر قطاعات البناء والتكنولوجيا العالية، جاءت مشاركة القوات المسلحة اليمنية بالأعمال العسكرية ضدّ السفن الصهيونية في البحر الأحمر لتشكّل تحدّياً إضافياً لجهة الأعباء المالية والاقتصادية لكيان الاحتلال، الذي يمتلك منفذاً وحيداً على البحر الأحمر عند "إيلات" (أم الرشراش)، ويعتبر هذا المنفذ من أهم المصالح الحيوية للكيان، وهو أكبر ميناء لاستيراد السيارات، إذ تصل إليه 44% من جميع المركبات التي تصل إلى إسرائيل.
وفي حين قدّر الخبراء أنّ التهديدات اليمنية أدّت إلى ارتفاع أسعار مختلف البضائع بما يشمل المستلزمات الغذائية الأساسية في كيان الاحتلال، بسبب قلة البضائع في السوق جراء ارتفاع كلفة الشحن البحري بما فيها التأمين على المخاطر، فإنّ بدائل الشحن البحري مكلفة للغاية ولا يمكن للاقتصاد الإسرائيلي تحمّلها على المدى البعيد. فبحسب نائب رئيس الشحن الدولي في شركة “يو بي إس" الإسرائيلية "إل شاخيم"، فإنّ "هناك زيادة ما بين 40% إلى 50% في أسعار الإبحار والشحن من آسيا إلى إسرائيل"، مضيفًا أن "معظم شركات الشحن قد أعلنت بالفعل أنها ستقوم بتفريغ البضائع في موانئ أوروبا ثم نقلها بسفن أصغر إلى إسرائيل، وهو ما سيزيد أيضاً من التكاليف"، موضحاً أنّ "المستهلكين قد لا يشعرون بذلك حتى الآن، لكن شركات الشحن ستقوم بترحيل هذه التكلفة على المستهلك"، واصفاً هجمات الجيش اليمني في البحر الأحمر بأنها "موجة تسونامي بدأت في باب المندب وستصل إسرائيل". ويبلغ حجم الواردات الآتية من الشرق إلى الكيان نحو 350 مليار شيكل أي ما يعادل 95 مليار دولار سنوياً، ويتوقع أنّ يرفع الحصار اليمني في البحر الأحمر هذا الرقم بنسبة 3 بالمئة أي ما يقارب ثلاثة مليارات دولار تضاف على التكلفة الأولية ما قبل الحصار.
تنبأ مركز الأمن القومي الصهيوني في إحدى دراساته عام 2021 أنّ يقوم اليمن بمهاجمة السفن الصهيونية في البحر الأحمر، والتضييق عليها، وتأثير ذلك على علاقات كيان الاحتلال التجارية الكبيرة والمهمة مع الصين، بحسب الباحث محمد حسن سويدان الذي نقل عن البيانات التي نشرتها شركة الشحن الصهيونية لتتبّع الشحن "Freightos"، ارتفاع تكاليف الشحن من الصين إلى ميناء أشدود الإسرائيلي بنسبة 9 - 14 بالمائة في الأسبوعين الأخيرين من شهر تشرين الأول، وبحسب رئيس الأبحاث في الشركة يهوذا ليفين، فإنّ الارتفاع في تكاليف الشحن بين الموانئ الإسرائيلية والصين بعد اندلاع الحرب "يؤثر بالفعل على جميع البضائع التي تصل إلى إسرائيل من الصين، والتي بدأت أسعارها في الارتفاع". وأهمية هذا الارتفاع تأتي من حقيقة أن الصين حاليًا هي أكبر شريك تجاري لإسرائيل عبر البحر، حيث تصل نسبة الواردات الإسرائيلية من الصين عبر البحر حصراً إلى 20% من مجمل واردات إسرائيل البحرية. من هنا يمكن القول إنّ ما يقوم به اليمن اليوم من ناحية منع السفن الذاهبة للكيان من المرور عبر مضيق باب المندب يشكّل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي.
أحدثت عملية طوفان الأقصى سلسلة من التغييرات الإقليمية والعالمية، وكان للانخراط اليمني ـ شأنه شأن الانخراط العسكري العراقي واللبناني ـ تداعيات اقتصادية على كيان الاحتلال حَدَت به لاتخاذ إجراءات بهدف التخفيف منها، وهي إجراءات تتوافق مع تطلعات بعض الدول المطبّعة معه بإقامة علاقات اقتصادية وسياسية متينة. ويقتصر الاستهداف العسكري اليمني في البحر الأحمر على السفن الصهيونية ومن يشارك كيان الاحتلال نشاطه التجاري، ولا يتعمد بأي وسيلة كانت الإضرار بأي بلد عربي أو دولة مشاطئة في البحر الأحمر طالما أنّها لا تستهدف اليمن بعمل عسكري في البر أو البحر، والحكومة اليمنية تراهن على إدراك حقيقة أنّ التواجد الغربي والأمريكي والصهيوني في البحر الأحمر والمنطقة هو عامل تفجير وإضعاف لها، وأنّ أي تصعيد عسكري إضافي في البحر الأحمر سوف يزيد الضغط الاقتصادي والعسكري والسياسي على كيان الاحتلال، وهو ما تعمل الولايات المتحدة على منعه وعدم الانجرار إلى سيناريوهات تشدّد الحصار على الصهاينة أو تحدث تعقيدات لاحقة سياسية وعسكرية تحفّز دخول أطراف جديدة إلى المواجهة القائمة.