أثار تورط القوات الأميركية مجدداً في الشرق الأوسط والعمليات العسكرية الأخيرة التي استهدفت اليمن، النقاش بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حول السلطة الدستورية للكونغرس لإعلان الحرب والدور الدستوري للرئيس بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة، على ضوء الأولوية التي تقتضيها المصلحة الأميركية بالتخفيف من المخاطر التي تتعرض لها القوات على الأرض كذلك الحفاظ على سقف محدد للتصعيد. وفيما لم تنجح الإدارة الأميركية في ضبط الإيقاع بحصر المواجهات ضمن جغرافيا فلسطين المحتلة، إضافة لاستهداف سفينة حربية في البحر الأحمر ثم فقدان 2 من البحرية الأميركية خلال عملية تفتيش مقابل السواحل الصومالية، احتدم الخلاف ليصبح انقساماً بين الكونغرس والبيت الأبيض يتهم فيه الأخير بهندسة المرحلة بحسب ما تقتضيه استطلاعات الرأي التي وصلت إلى أدنى مستوياتها مع بدء الانتخابات التمهيدية يوم أمس الاثنين.
اتفق اليسار الأميركي مع اليمين هذه المرة. اذ أن فشل الرئيس جو بايدن في الحصول على موافقة الكونغرس لشن الهجمات على اليمن ثم إصراره على فعلها، دفعت جوقة من المشرعين الجمهوريين والديموقراطيين على شن هجوم قانوني على البيت الأبيض مما أشعل من جديد جدلاً طويلا حول من لديه سلطة إعلان الحرب في الولايات المتحدة.
في 6 كانون الثاني/ يناير عام 2020، ورداً على اغتيال قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، غرّد -بايدن- المرشح الرئاسي آنذاك مستنكراً: "دونالد ترامب ليس لديه السلطة لأخذنا إلى حرب مع إيران دون موافقة الكونغرس. لا ينبغي للرئيس أبدا أن يأخذ هذه الأمة إلى الحرب دون موافقة مستنيرة من الشعب الأمريكي". وهي التغريدة التي اعتبرتها عضو الكونغرس براميلا جايابال -وهي ديموقراطية ورئيسة التجمع الديموقراطي- ادانة لبايدن "وانتهاكاً غير مقبول للدستور... يفعل ما انتقد به ترامب".
Let's be clear: Donald Trump does not have the authority to take us into war with Iran without Congressional approval. A president should never take this nation to war without the informed consent of the American people.
— Joe Biden (@JoeBiden) January 6, 2020
بايدن، الذي خدم 36 عاماً في مجلس الشيوخ، بما في ذلك رئيس لجنة العلاقات الخارجية، يواجه جناحي الكونغرس على قرار يتجاوز كونه تفصيلاً في السياسة الخارجية الأميركية او تكتيكاً عابراً في المنطقة. ويصف النائب عن الحزب الديمقراطي رو خانا من كاليفورنيا المشهد في المنطقة على أنه "متقلب". مضيفاً "إذا كنت قد أخبرتني في 20 يناير 2021 أن بايدن سيأمر بضربات عسكرية على الحوثيين دون موافقة الكونغرس بينما يدعو السعوديون إلى ضبط النفس ووقف التصعيد في اليمن، لما صدقت ذلك أبداً". معتبراً أنه من الضروري إعادة تأكيد سلطة الكونغرس على حروب أميركا الخارجية: "يحتاج الرئيس إلى المجيء إلى الكونغرس قبل شن ضربة ضد الحوثيين في اليمن وإشراكنا في صراع آخر في الشرق الأوسط".
وكان خانا قد قاد حملة ضغط استمرت لسنوات لوقف الدعم الأميركي للسعودية في حربها على اليمن والتي أثمرت بالفعل عام 2021 -على الأقل وفق ما أعلن رسمياً-.
ويأتي هذا النقاش الذي سيرافق بايدن طيلة فترة ولايته المتبقية، إضافة للوم على توجيه ضربات "غير مجديّة لليمن"، والتي من شأنها أن تنذر بتصعيد أكبر في مكان من أكثر البقع الجغرافية استراتيجية في العالم، بعد شهر تقريباً من انتقاد العديد من الديمقراطيين بشدة لقرار الإدارة بتجاوز الكونغرس والموافقة على بيع قذائف الدبابات لإسرائيل وسط جدل مشحون داخل الحزب حول دعم بايدن المتطرف للحرب في غزة.
تواجه الإدارة الأميركية تحديّاً آخر بما يتعلق "بقرار سلطات الحرب" الصادر عام 1975 (وهو الإطار القانوني الذي يهدف إلى تنظيم الاستخدام الأحادي للقوة من قبل الرئيس، مثل القتال المستمر في العراق وسوريا واليمن اليوم). فعلى الرغم من محاولة بايدن الاستفادة من الجدل الحاصل في تفسير مصطلحات "الأعمال العدائية" و"الاعمال العدائية الوشيكة" الواردة في المادة، فإن الوقت ليس لصالحه أيضاً.
ينص القسم الخامس من القرار أنه عند "ادخال القوات الأميركية في الأعمال العدائية أو حالات الأعمال العدائية الوشيكة بقرار من القائد العام للقوات المسلحة -أي الرئيس- عليها الانسحاب في مهلة مدتها 60 يوماً، ما لم يعلن الكونغرس الحرب أو يقر تفويضاً قانونياً لاستخدام القوة".
استفاد البيت الأبيض من التفسيرات المختلفة والضيقة لهذه المصطلحات التي ترتكز على تعريف "الأعمال العدائية بأنها حالة تشارك فيها وحدات من القوات المسلحة الأمريكية بنشاط في تبادل إطلاق النار مع وحدات من القوات المعادية". و"الأعمال العدائية الوشيكة تعني الحالة التي يوجد فيها خطر جسيم من نيران معادية على سلامة قوات الولايات المتحدة". وقام طيلة الفترة الماضية بالمناورة بهامش الوقت.
قدم البيت الابيض 16 تقريراً لسلطات الحرب منذ منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بما يتعلق بالضربات التي استهدفت كل من سوريا والعراق واليمن. والجدير بالملاحظة أن التقارير قد أغفلت عن قصد، بعض الضربات كتلك التي حصلت في 3 كانون الأول/ ديسمبر في العراق والتي صنفت تحت مسمى "الدفاع عن النفس" واتخذ القرار بها "قائد من المستوى الأدنى"، إضافة لتقسيم حدث ما إلى احداث متعددة من أجل القول بأن مهلة الـ 60 يوماً قد توقفت واستؤنفت، تجنباً لنفاذ مهلة القرار. تماماً كما حصل خلال حرب الناقلات عام 1987 في الخليج وخلال المرحلة الأولى من الحملة التي قادتها الولايات المتحدة ضد داعش عام 2014.
ثمة من يقول، أن بايدن يستطيع اللجوء إلى "التفويض القانوني" الذي منح للقوات الأميركية في سوريا والعراق لتبرير الهجمات وبالتالي إيجاد آلية بديلة للهرب من قيود مهلة الـ 60 يوماً. لكن المناورة "قصيرة المدى" التي يستفيد منها بايدن للهرب من مواجهة الكونغرس الحتمية، تصطدم أيضاً بعائق آخر. "فالتفويض القانوني" الذي منح لقواته في سوريا والعراق لا يشمل اليمن والبحر الأحمر حيث الجبهة القابلة للانفجار أكثر من أي وقت مضى.