توصل الخبراء الإسرائيليون الأمنيون والعسكريون والسياسيون إلى حقيقة أن الكيان فشل في تحقيق الأهداف الأساسية للحرب على غزة حتى الآن، وعليه يمكن تتبع الواقع الميداني، ورصد الثغرات الاستراتيجية والتحدّيات التي يعاني منها الكيان مع بداية ما أسماه المرحلة الثالثة من الحرب، والتي تمّثل مرحلة الانتقال إلى العمليات الموضعية، وتحديد الخيارات المحتملة للخروج بأقل الأضرار، وتحقيق جزئي للأهداف.
الثغرات والتحديات
- العمليات العسكرية: مع توسع الحرب في غزة ازدادت المسارات القتالية، وتحولّت عملية خان يونس -التي هدفت إلى تسريع عامل الوقت للوصول الأسرع إلى الهدف- إلى عملية "لا مركزية" نتيجة عوامل تكتيكية من الناحية الجغرافية -باعتبار أن مساحة خانيونس تفوق في حجمها ما تم التعامل معه سابقاً- بالإضافة إلى تدفق سلاح المدرعات، المزيد من النشاط اللامركزي، جعل منها عملية شديدة التعقيد، بفعل العوامل التي تتزايد وتتفاعل مع نقاط مواجهة أكبر، بالتالي تم زج الجيش في حرب عصابات، يشكّل فيها سلاح المدرعات عائقاً أكثر منه منفعة، فيما يفتقر الجيش إلى المهارات والقدرات العسكرية المطلوبة في طبيعة حرب كهذه، لذا خسر أرواحاً كثيرة. وفي سياق ذلك قُتل 27 جندياً إسرائيلياً وجرح 13 آخرون بانفجار مبنيين، واستهداف دبابة، وتفجير نفق بخان يونس ليلة الثلاثاء 23/1/2024.
- استعادة الأمن لمستوطني الحدود: تحقيق الأمن ليس كافياً بعد 7 أكتوبر، يتوجب على المؤسسة العسكرية والأمنية خلق شعور بالأمن الفردي، وهذا يختلف عن مسـألة تحقيق الأمن، لأن توقف الأعمال العسكرية لا يعني زوال التهديد الأمني، بالتالي القلق الأمني لا زال مستمراً، والشعور بالأمان يتطلب تغييراً في الواقع السابق، ونتائج حيّة وفعلية على الأرض.
- الانقسامات والنزاعات: ظهور تكتلات متعارضة داخل غرفة صناعة قرارات الحرب، وازدياد السجالات أثناء سير العملية العسكرية، بالإضافة إلى الانقسام السياسي حول عوائل الأسرى ومعضلة "اليوم التالي".
- نزيف استراتيجي: أدى انخفاض وتيرة القتال، وعدم ظهور إنجازات كبيرة واضحة، مقابل عدد كبير للقتلى والإصابات في الجيش الإسرائيلي، إلى ارتفاع حساسية المجتمع تجاه القتلى، وتراجع مؤشر الثقة بالجيش، كما ارتفعت الأصوات المطالبة بضرورة حماية الجيش من القتل، بالتالي تراجع الدعم الشعبي المؤيد للحرب، كما أصبح وقع أعداد القتلى أمراً مرهقاً نفسياً على الجنود وحتى الخبراء والقادة، بما يشكل نزيفاً استراتيجياً للكيان.
- الاحتياط: إشكالية النظرة المتشابهة لجندي الاحتياط والجندي النظامي في عقلية القيادة العسكرية في الجهد، بحيث يتم التعامل مع القوّتين بالطريقة نفسها، مما يخلق شرخاَ وظيفياً بين قوة الاحتياط والقيادة العسكرية، لما تطلبه خدمة الاحتياط من إدراك بأن الجندي هو "مدني" قبل أن يكون جندياً، وعليه يحتاج إلى استحداث قوانين تعويضات، وموائمة بين العالمين تختلف عن تلك الموجودة في الجيش النظامي.
ما وراء المشهد المتأزّم
من خلال المسح السابق للثغرات، والتحديات، تتكشفّ حقائق عدّة تُشخّص التعقيدات الحالية التي يعاني منها الاحتلال:
- تفتقر عملية صياغة الأهداف والقرارات في هذه الحرب إلى البُعد الاستراتيجي، والمعيار الواقعي، والاستغلال الصحيح للعوامل الشرعية، بالإضافة إلى ضعف واضح في تظهير الإنجازات وربطها بالأهداف، مما تسبب بتعقيدات استراتيجية؛ أصبحت ملموسة ومحط تفاعل داخل المؤسسة العسكرية وفي الشارع الإسرائيلي.
- طالما أن الجمهور الإسرائيلي لا يزال قلقاً، بل ويتحول قلقه إلى شك، هذا يعني فشل في تحقيق الأهداف، التي تجنح نحو المستحيل.
- سببان يقوضان الإنجازات: عدم رضا الجمهور عن أداء الجيش، ونتيجة الحرب (نصر غير واضح أو هزيمة).
- الجمهور لا يتأثر بإعلان هزيمة واحدة هنا أو هناك، ما يطلبه الجمهور الإسرائيلي هو ضمانة بإزالة التهديد (كالعمليات الهجومية، أو إطلاق صواريخ)، واسترجاع الإحساس بالأمان، وهنا فقط سيقتنع المجتمع الإسرائيلي أن نصراّ قد تحقق.
- الانطباع الأول للقيادة العسكرية بزخم الدافعية القتالية بعد انضمام 360 ألف جندي احتياط إلى الخدمة، جعل من خدمة الاحتياط أمراً مفروضاً ومسلّماً، وهذا ما جعل القيادة غائبة عن مشاكل الاحتياط وما يعانيه، وأدى عدم معالجة المشاكل ورصدها إلى التسرب من الخدمة، وإنهاك الاحتياط.
- الأثمان التي يجب أن تدفع في الحرب مرتبطة بمسألتين:
إنجازات مرتفعة: يعني مستوى عال من الطاعة (مثال في حرب الـ 67 خسرت 1000 جندي لكن الحرب كانت قصيرة المدى، وكانت الإنجازات بالنسبة للكيان مهمة وبارزة).
إنجازات منخفضة: يعني تراجع الثقة بالجيش، والشك بنتيجة الحرب، وارتفاع الحساسية تجاه الضحايا.
يلخّص تصريحٌ لرئيس معهد دراسات الأمن القومي، تامير هايمن، حالة الكيان وتحديده للأهداف، يقول فيه: "نحن تعلمنا من تاريخ إسرائيل، أنها تفضّل في كل مرة وضع الأهداف التي تتعلق بإزالة التهديد كهدف للحرب، نحن أصغر بكثير من أن نضع هدفاً كهذا".
الكاتب: غرفة التحرير