الأربعاء 21 شباط , 2024 03:51

لولا دا سيلفا: موقف جريء من الحرب على غزة

الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا

بداية من الضروري الإشارة إلى أنّ لولا دا سيلفا الرجل الثوري اليساري والزعيم العمّالي كان دوما على دراية بحقيقة الصراع في الشرق الأوسط وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو الذي كان سبّاقاً إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفتح سفارة لها في برازيليا، إلا أن "لولا" الذي وصل إلى سدّة الحكم للمرّة الثالثة منهكاً بعد سنوات من الاضطهاد والسجن، كان يطمح إلى فترة رئاسية ناعمة على مستوى العلاقات الدولية، تجنّبه الدخول في صراعات حساسة قد تجعله يدفع ثمناً سياسياً جديداً هو في غنى عنه اليوم. كانت سياسته الخارجية المعلنة، مبنية على الانفتاح على كل الخيارات والتطورات على قاعدة تمكين العلاقات الخارجية مع كل الأطراف وفي كل الاتجاهات للاستفادة من كل فرصة تساعده على إخراج بلاده من أزماته جرّاء السياسات المتهوّرة لسلفه، جايير بولسنارو، الذي أدخل البرازيل في نفق مظلم، ليس آخره محاولة الانقلاب الفاشلة بداية العام الماضي.

في البداية دان دا سيلفا عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، استناداً إلى نظرية التوازن، لكن عاد ليتحدّث عن أن عملية طوفان الأقصى لم تأت من فراغ، بالنظر إلى أن الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة توغل في دم الأبرياء وتقطع أيّ آمال للفلسطينيين في العيش بسلام ضمن دولة مستقلّة. وعلى الرغم من الحملات الإعلامية والسياسية العنيفة وتهديد عدد من التيارات السياسية البرازيلية، بالانتقال إلى صفوف المعارضة في حال إصرار دا سيلفا على موقفه "التصعيدي" تجاه "إسرائيل"، إلا أن الزعيم اليساري قرّر قطع سياسة الحيادية والمجاملة أحيانا، ووصف العدوان على غزة بالإبادة الجماعية الشبيهة بإبادة النازية لليهود، وأصرّ على موقفه، وهو يقف على منبر مؤتمر الاتحاد الأفريقي في أديس ابابا، ما يؤشر على تغير كبير في السياسة الخارجية للبرازيل التي من الممكن أن تنقله إلى ساحة المواجهة مع الإدارة الأمريكية والإسرائيلية.

في أعقاب مقارنة الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا بين تصرفات الكيان الإسرائيلي المحتل في غزة والمحرقة، أعربت عدة منظمات داخل البرازيل عن انتقاداتها وقلقها بشأن هذه التصريحات. ووصف الاتحاد البرازيلي الإسرائيلي البيان بأنه "تشويه ضار للواقع" وأعرب عن أسفه لتخلي لولا عن تقليد التوازن والسعي إلى الحوار في الدبلوماسية البرازيلية.

قالت مصادر مطلعة على المناقشات الداخلية أن البرازيل لا تنوي سحب تعليق الرئيس لويس إيناسيو دا سيلفا الذي قارن فيه الحرب الإسرائيلية على غزة بمعاملة هتلر لليهود والتي أثارت خلافاً دبلوماسياً بين البلدين. واستدعت وزارة الخارجية البرازيلية بالفعل السفير الإسرائيلي لإجراء محادثات واستدعت سفيرها لدى "إسرائيل" بعد أن وجّه مسؤولون إسرائيليون له توبيخا رسمياً في أعقاب تصريحات لولا.

وأكّد الرئيس البرازيلي على أنّ "ما يحدث في قطاع غزة مع الشعب الفلسطيني ليس له مثيل في لحظات تاريخية أخرى". واشار لولا خلال قمة الاتحاد الأفريقي في نهاية الأسبوع في أديس أبابا، في إشارة إلى جرائم الحرب النازية خلال الحرب العالمية الثانية: "في الواقع، كانت موجودة عندما قرر هتلر قتل اليهود". وأضاف لولا أن "البرازيل أدانت حماس، لكن البرازيل لا يمكنها الامتناع عن إدانة ما يفعله الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة".

أثار التشابه بين المحرقة والصراع في غزة ردود فعل غاضبة على أعلى مستوى في الحكومة الإسرائيلية. وقال بنيامين نتنياهو: "يجب أن يخجل من نفسه"، وذهب إلى حد اتهام لولا بـ "تشويه ذكرى الستة ملايين يهودي الذين قتلوا على يد النازيين" و"شيطنة الدولة اليهودية مثل أشد معاداة السامية شراسة". " وقد ردد هذا الاتهام الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ، الذي أدان "التشويه غير الأخلاقي للتاريخ"، ووزير الدفاع يوآف جالانت، الذي يعتقد أن لولا "يدعم" حماس الآن. وفي وقت سابق من يوم الاثنين، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس أن لولا غير مرحب به حتى يتراجع عن تصريحاته.

بالإضافة إلى ذلك، ذكرت جمعية اليهود من أجل الديمقراطية ذات الميول اليسارية أن خطاب لولا كان "وصمة عار تاريخية في جميع النواحي". تشير هذه الردود إلى أن تعليقات لولا ولدت ردود فعل عنيفة على المستوى الداخلي بين شرائح المجتمع. وأدت التداعيات الدبلوماسية إلى استدعاء البرازيل لسفيرها لدى الكيان للتشاور واستدعاء سفير الكيان لدى البرازيل للاجتماع.

يبقى السؤال الأساسي المطروح هو لماذا اتخذ دا سيلفا هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات؟ وهو يعلم جيداً انها خطوة حساسة وقد تكون خطيرة على مستقبله السياسي، فالمعروف في دوائر السياسة الداخلية في البرازيل أنّ اللوبي الصهيوني منتشر وفاعل ومهيمن بشكل كبير ليس فقط على دوائر السياسة العامة بل على المؤسسات المالية والاقتصادية وكل المنافذ الحيوية في هذا البلد. وبالتأكيد ان الموقف الجريء المعلن من قبل دا سيلفا تجاه الكيان الإسرائيلي وممارساته الاجرامية في غزة سيجعله يدفع الثمن غالياً أقله على المستوى السياسي والانتخابي في أي مواجهة مقبلة. إلا أنّه لابد من الإشارة إلى أن الرئيس البرازيلي مدرك تماماً لهذه الحقيقة وهو الذي يخوض معركة النجاح واثبات الوجود بعد سنوات من التغييب والعزل السياسي التي دفع ثمنها في السجن لسنوات. وهو أيضا مدرك تماماً انه يتعرض لضغوط من قبل اللوبي الصهيوني الداخلي الذي يمتلك أيضاً القدرة على عرقلة مشاريعه وتحركاته على المستوى الداخلي في مسائل اقتصادية أقله بتحشيد معارضيه وأعدائه السياسيين كما فعلوا في السابق عند الإطاحة به وتشويهه ثم وضعه في السجن. والواضح انه بطريقة انتقامية ذكية اتخذ هذا الموقف الجريء ليذكرهم بماضيه الثوري، وليلفت نظرهم إلى انه يتمتع بحرية الخيار والتقدير للمواقف وانه لا يخضع للضغوط. وربما تحرك بداخله حسه اليساري الثوري ووجد أنها فرصة لتغيير التوازن الموجود والإدلاء بما أدلى به لأنه أيضاً يمتلك قاعدة شعبية فيها عدد كبير من المؤيدين والمناصرين للقضية الفلسطينية وهم الذين ساهموا في رفع المظلومية عنه سابقاً الى حين في وصوله لسدة الرئاسة من جديد فقرر رد الجميل لهم، بعد أن أثار غضبهم في بداية معركة طوفان الأقصى حين اصطف مع الكيان وانتقد حماس.


الكاتب: د. سهام محمد




روزنامة المحور