ارتفعت حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى 30 ألفاً و534 شهيداً، وخلال الـ 24 ساعة الماضية ارتكب جيش الاحتلال13 مجزرة ضد العائلات راح ضحيتها 124 شهيدا و210 مصابين. في حين لا يتوانى نتنياهو عن التصريح بأن "إسرائيل" تتجنب قتل المدنيين حتى وصل التضليل في الخطاب السياسي إلى اعتبار جيش الاحتلال الأكثر أخلاقية في العالم، في هذا الإطار، يشير مقال foreign affairs ترجمه موقع "الخنادق"، إلى تكذيب الادعاءات التي تفيد بأن إسرائيل تتجنّب قتل المدنيين وتوضّح السبب الجذري لذلك؛ إعطاء إسرائيل الأولوية المطلقة لـ "إدارة الصراع" وتأجيل أي حل حقيقي.
النص المترجم للمقال
تدعي إسرائيل أنها تبذل كل ما في وسعها للتقليل إلى الحد الأدنى من الخسائر في صفوف المدنيين في غزة - وأنها تطبق إجراءات استهداف معقّدة تهدف إلى ضمان أن تكون أي ضربة عسكرية متناسبة وألا تقتل عدداً مفرطاً من المدنيين. أصرّ نتنياهو في أكتوبر/تشرين الأول على أن "الجيش هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم". وقال عند الضغط عليه بشأن قضية الوفيات الفلسطينية في نوفمبر تشرين الثاني "أي وفاة مدنية مأساة. ولا ينبغي أن يكون لدينا أي شيء لأننا نبذل قصارى جهدنا لإبعاد المدنيين عن طريق الأذى [...] هذا ما نحاول القيام به: تقليل الخسائر في صفوف المدنيين".
في الحقيقة، إسرائيل لا تفعل ذلك. لقد شنت حملة وحشيّة على قطاع غزة، ولم تتمسك إلا بشكل طفيف بالبروتوكولات التي من المفترض أن تتبعها قواتها المسلحة لتقليل وفيات المدنيين. لكن حتى تلك المبادئ التوجيهية غير كافية: يكشف التحقيق في الحملات السابقة في غزة عن عدم كفاية المبادئ التوجيهية الإسرائيلية، والتي لا تحد حقاً من الخسائر في صفوف المدنيين. في الجولة الأخيرة من القتال في غزة، فشلت إسرائيل في اتباع حتى تلك القيود، مما أدى إلى دمار لا يوصف وجعل التوصّل إلى حل للصراع أكثر صعوبة.
غالبًا ما لا يكون لدى المسؤولين الإسرائيليين معلومات واضحة حول عدد السكان في مبنى معيّن، ولا يهتمون دائماً بالبحث عنه. أوضح أحد الجنود أنه على الرغم من أن إسرائيل لديها التكنولوجيا للتحقق من الموقع الدقيق للسكان (من خلال تتبع هواتفهم)، إلا أنها نادراً ما تفعل ذلك لأن مثل هذا الإجراء سيتطلب الكثير من الوقت والموارد وسيؤدي دائماً إلى إبطاء وتيرة الضربات الجوية. على الرغم من الضربات التحذيرية، قد لا يتمكن الكثير من الناس من مغادرة المبنى أو لا يمكنهم مغادرته في الوقت المناسب، على سبيل المثال، إذا كانوا مرضى أو مسنين. يخطئ الناس أحياناً في معرفة صاروخ التحذير بسبب الهجوم نفسه، أو يعتقدون أنه قنبلة سقطت في مكان قريب، ولا يغادرون منازلهم.
في الحرب الحاليّة، قللت إسرائيل بشكل كبير من استخدامها لطرق الأسقف (والذي يتضمن إطلاق صاروخ صغير على سطح مبنى لتحذير السكان من وقوع ضربة إسرائيلية أكثر شدة)، مدّعية أنها ضعيفة للغاية بحيث لا تهتم بمثل هذه التحذيرات. إن الحد من استخدام طرق الأسقف هو اعتراف من جيش الدفاع الإسرائيلي بأنه أقل قلقاً الآن مما كان عليه في الماضي بشأن تجنب وقوع إصابات بين المدنيين.
السبب الجذري
في الماضي، لم تفعل إسرائيل ما يكفي للتمييز بين المدنيين والمقاتلين في غزة؛ في حرب اليوم، يبدو أن إسرائيل تهتم أقل من ذلك. في الواقع، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر/كانون الأول أن إسرائيل وسعت في الحملة الحالية تعريفها "للأهداف القيمة" واستعدادها لإيذاء المدنيين. وهذا يتفق مع تقرير صدر مؤخراً في شبكة CNN مفاده أن إسرائيل أسقطت خلال الشهر الأول من الحرب مئات القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل، والتي يمكن أن تقتل أو تصيب أشخاصاً على بعد أكثر من 1000 قدم، وأن ما يقرب من نصف الذخائر الإسرائيلية التي ألقيت على غزة هي قنابل "غبية" غير دقيقة. إن شن حملة على هذا النحو يعطي مصداقية للاتهامات بأن إسرائيل مهتمة بالانتقام من غزة بقدر اهتمامها بالسعي إلى تحقيق أهداف عسكرية.
إن أمثلة القتل غير المبرر للمدنيين في غزة عديدة، ومن المؤكد أن أمثلة أخرى على موقف الحكومة الإسرائيلية المتراخي تجاه مقتل الأبرياء ستظهر بعد الحرب. من خلال الاستفادة من دعمها السياسي والعسكري لإسرائيل، يمكن للولايات المتحدة إقناع القوات الإسرائيلية بدعم القانون الدولي في حملاتها والقيام حقاً بما في وسعها لتقليل وفيات المدنيين.
لا يوجد حل سريع للأخطاء الموضحة أعلاه، لأنها كلها أعراض لنفس السبب الجذري: إعطاء إسرائيل الأولوية المطلقة لـ "إدارة الصراع" وتأجيل أي حل حقيقي، بغض النظر عن عدد المدنيين - الفلسطينيين أو الإسرائيليين - الذين يتعرضون للأذى. هذا الموقف هو الذي أدّى إلى حملات عسكرية معتادة في غزة على مدى السنوات 15 الماضية، وهذا الموقف هو الذي يسمح للحكومة الإسرائيلية بالمضي قدماً في هذه الحرب دون هدف واضح يمكن تحقيقه في الأفق.
المصدر: مجلة foreign affairs
الكاتب: Avner Gvaryahu