أزمة جديدة لا تقلّ خطورة عن الفشل العسكري في تحقيق أهداف الحرب المعلنة، يواجهها ناتنياهو وحكومته المتطرفة، وهي إصرار المستوطنين في مستوطنات غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة على عدم العودة إلى المستوطنات والكيبوتسات بسبب فقدان الشعور بالأمان والاستقرار، وعدم الثقة في الوعود المقدمة لهم، والتي باتت تشعرهم بمزيد من الإحباط لإدراكهم أنها لن تتحقق مع حكومة فاشلة وقادة مضللين كقادتهم. واقعياً اليوم، ينقسم المستوطنون إلى قسمين، نازحين إلى مناطق في داخل الأراضي المحتلة مما يشكّل ضغطاً متزايدا على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الاسرائيلي، ومهاجرين خارج الكيان يئسوا من الانتظار وفقدوا الأمل في الرجوع إلى حياتهم السابقة، أي إلى أوروبا والولايات المتحدة وغيرها. لقد أصبح هذا الملف من أخطر الملفات التي يواجهها نتنياهو والائتلاف الحاكم، بل يدرك بعض الصهاينة أنها تشكّل تهديدا حقيقياً للمستقبل الوجودي لهذا الكيان، وانهياراً للمشروع الصهيوني التوسعي.
ضمن هذا الإطار، سنعدد الاستنتاجات المبنية على الشهادات والتصريحات الإسرائيلية للمسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، والمسؤولين عن شؤون المستوطنات التي تتمحور حول نزوح المستوطنين:
- عدم الشعور بالأمان من جهة وانعدام الثقة في الجيش الاسرائيلي الذي فشل في تحقيق أهداف الحرب التي أعلن عنها في بداية معركة طوفان الأقصى والمتمثلة في (القضاء على المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس في غزة، وردع المقاومة الإسلامية لحزب الله في لبنان وإبعاده عن الحدود مع شمال فلسطين المحتلة باتجاه الليطاني)، يقوّض الأمل لدى المستوطنين بالعودة إلى مستوطنات وكيبوتسات غلاف غزة ومستوطنات الشمال وعلى رأسها مستوطنة كريات شمونة.
- تحوّل المستوطنين إلى مهاجرين يبحثون عن حياة جديدة خارج الكيان الإسرائيلي: المستوطنون اعتبروا أنّ الحرب دفعتهم للبحث عن حلول خارج الكيان بالهجرة إلى دول مجاورة كاليونان وقبرص للإقامة والاستقرار فيها بشكل نهائي (وفقا لتصريحات البعض منهم).
- إصرار أغلبية المستوطنين على عدم العودة إلى المستوطنات دليل إضافي على حجم الأزمة الداخلية التي يواجهها الكيان اليوم.
- عجز قادة الكيان عن توفير الأمان للمستوطنين ينذر بأزمة كبيرة تشكّل انهياراً للصهيونية.
- يحاول ناتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة تحميل المسؤولية للمقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة بسبب عملياتها العسكرية، وتحميلها أيضاً تداعيات مغادرة وهروب المستوطنين، لكن عمليّا من يتحمل المسؤولية في ذلك هو جيش الاحتلال المعتدي وعملياته العدوانية واحتلاله غير المشروع للأرض وفقا للمواثيق والقوانين الدولية وهذا تأكيد إضافي لعدم مشروعية بناء المستوطنات.
- بدأ بعض المستوطنين يتأقلمون مع وضعهم الجديد في الأماكن التي نزحوا اليها ولكن بالنسبة للكيان هذا يعتبر بداية الكارثة نظرا لما يشكله من ضغوط إضافية على مؤسسات الكيان ومجتمعه، إضافة إلى أنّ "التأقلم بالوضع الجديد" يعني بشكل او بآخر اللاعودة.
- اعتراف المسؤولين الإسرائيليين بالخطأ في عدم حثّ المستوطنين على البقاء في مستوطناتهم، وفشل ناتنياهو وحكومته في توفير الحد الأدنى من مقومات الأمان للمستوطنين.
- فقدان الثقة بين المستوطنين وقادة الكيان بسبب تلاشي الوعود بإمكانية العودة لبيوتهم.
- ارتفاع تكلفة الاجلاء والاخلاء: كان من المفترض في السنوات السابقة أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بإعداد نظام خاص لإجلاء عشرات أو ربما مئات آلاف الإسرائيليين من المناطق الحدودية إلى بلدات أخرى، في حال تطبيق حالة الطوارئ إذا ما اندلعت الحرب. وبالفعل، أُعدت خطة حكومية كلفت عشرات الملايين من الشواكل، لكنها وضعت في الأدراج، حيث اتضح أن الخطة التي عرفت باسم "فندق مدني"، لم تعد بالشكل المطلوب وانهارت بالكامل.
- أزمة المستوطنين من أصحاب المزارع والمصانع الذين سيضطرون للعودة، أو عليهم العودة فور وقف إطلاق النار، لكنهم أيضاً سيواجهون مشاكل كثيرة في كيفية إدارة مصالحهم وحصولهم على التعويضات اللازمة لذلك.
- تداعيات هجرة المستوطنين خارجاً او نزوحهم إلى مناطق أخرى داخل فلسطين المحتلة، يضرب المشروع الصهيوني التوسعي، ويزيد من مستوى فقدان الأمان والشعور بالاستقرار داخل الكيان، كما يشكّل ضغطاً كبيراً على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي فشل ناتنياهو وحكومته في مواجهتها حتى الآن كما فشلوا في إدارة الحرب.