السبت 11 أيار , 2024 01:22

"دراما الاضطراب": التغطية الاعلامية الأميركية لاحتجاج الطلاب

عادة ما تكون وسائل الاعلام جناحاً خفّاقاً للسلطة السياسية وأصحاب المال والنفوذ. وفي الحالة الأميركية اليوم، تبرز المساهمة الفاعلة التي تقدمها وسائل الاعلام خدمة لأجندة البيت الأبيض أثناء تغطيتها لاحتجاجات طلاب الجامعات السلميين، المطالبين بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ولا يتوقف الأمر عند إعادة انتاج خطاب المسؤولين الأميركيين وتقديمه للمُشاهد كحقائق مدعومة بأدلة "مفبركة"، أو باجتزاء مَشاهد العنف والتركيز على زاوية واحدة للصورة، بل بمحاولة خلق سردية منفصلة عن واقع ما يجري، لإيقاع الشارع الأميركي تحديداً بفجوة عدم القدرة على التأكد من صحة الأنباء والتمييز بين ضفتي القضية مع الهيمنة الواسعة لوسائل الاعلام الغربي عليه.

خلال الأسابيع الأخيرة شهدت عشرات الجامعات الأميركية اشتباكات موثّقة بمقاطع نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بين ضباط الشرطة وعناصرهم مع الطلاب المتظاهرين الذين هددوا أيضاً بعقوبات أكاديمية، كما تجاوز عدد المعتقلين منهم الـ 2800 طالب. على الرغم من ان الاحصائيات التي قدمتها "المنظمات المستقلة التي تتعقب العنف السياسي، خلُصَت إلى أن 97٪ من مظاهرات الحرم الجامعي ضد الحرب في غزة التي وقعت في الولايات المتحدة منذ منتصف نيسان/ أبريل كانت سلميّة"، وفق ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية. ووفق بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح (Acled)، وجد تحليل لـ 553 مظاهرة في الحرم الجامعي الأميركي في جميع أنحاء البلاد بين 18 نيسان/ أبريل و3 أيار/ مايو لم تسفر عن أي عنف خطير بين الأشخاص أو أضرار بالممتلكات.

يطالب الطلاب المتظاهرون بسحب الاستثمارات من كيان الاحتلال، والكشف عن العلاقات المالية مع المنظمات التي تدعمه. كما يطالب بعض المتظاهرين بوقف برامج بيرثرايت Birthright Israel وهي منظمة دولية تتعاون مع المؤسسات اليهودية لأخذ الشباب اليهود في رحلة لمدة أسبوعين مدفوعة التكاليف بالكامل إلى الكيان. ووفقاً لبرنامج (Acled)، ينضم إلى الشباب في الرحلة أقرانهم الإسرائيليون الذين يقدمون وجهات نظرهم. هذه الرحلة، التي ينظر إليها الكثيرون على أنها مجرد دعاية، تهدف لبلورة الهوية اليهودية لهؤلاء الشباب وطمس الخطوط الفاصلة بين اليهودية والصهيونية.

واللافت، أن الخوف من العقوبة خاصة الأكاديمية والتي طالت البعض وفصلوا نهائياً من الجامعة تماماً كما هو حاصل في جامعة كولومبيا، لا يُلاحظ عند الأميركيين عند انتقاد الرئيس الأميركي. وتقول الدكتورة في الصحافة المجتمعية دانييل براون، والكاتبة في واشنطن بوست أن "السبب في أن المتظاهرين الشباب يخفون وجوههم عمداً خلف أقنعة الوجه أو الكوفية إنهم يرفضون تعريف أنفسهم خوفاً من الانتقام". وأضافت "لا يزال من المحير للكثيرين كيف أن أمريكيا حراً في شتم رئيس الولايات المتحدة، ولكن ليس في إدانة إسرائيل علناً".

الواقع، أن وسائل الاعلام الأميركية أمام هذه الصورة تتجه نحو اعتماد أسلوب "الدراما" في تغطيتها للاحتجاجات، حيث تركز بشكل أكبر على "دراما الاضطراب" بدلاً من الأسباب الكامنة وراءها، وهذا يمكن أن يترك الجماهير غير مطلعة على الفروق الدقيقة في الاحتجاجات والحركات التي تقف وراءها، والأسباب الداعية لها. وغالباً ما يتم -عن قصد وسابق تصميم- إخفاء المطالب والأهداف من التحرك، فيتم التركيز بطريقة مدروسة على الفوضى والتجمعات بدلاً من عنف الشرطة والإجراءات القمعية بحق المتظاهرين.

وبسرد بسيط للأحداث، يمكن أن تتضح الصورة. بدأت هذه الاحتجاجات عام 2023 وتزايدت وتيرتها فقط في مخيمات الحرم الجامعي دون أن يخصص لها مكاناً واسعاً في وسائل الاعلام.

خلال الأشهر القليلة الماضية، طالب العديد من الطلاب جامعاتهم بسحب استثماراتها من الشركات المرتبطة بكيان الاحتلال. حيث شارك طلاب في جامعة براون في إضراب عن الطعام خلال شباط /فبراير الماضي. كما استطاع طلاب من جامعة ميشغان توقيع عريضة عبر الانترنت كورقة ضغط لمجالس الأمناء في الجامعة بهدف وقف استثمارات الجامعة في إسرائيل، لكن القرار صدر بالرفض. كل هذه الجهود، كانت غائبة بشكل ملحوظ عن تغطية وسائل الاعلام الأميركية تقريباً.

أواخر نيسان/ ابريل، اتجهت وسائل الاعلام إلى تخصيص مساحة أوسع لاحتجاج الطلاب، بعد أن باتت المشاهد المصورة تغزو وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ عدد المؤيدين والمتأثرين بالفعاليات الاحتجاجية يتزايد بشكل مستمر، وهو ما أنتج بالفعل وضوحاً أدق للسردية الفلسطينية لدى الشارع الأميركي، أكثر من أي وقت مضى.

من ناحية أخرى، كانت دعوة رؤساء بعض الجامعات للشرطة للتدخل، تجعل من الاحتجاجات أكثر حدة ومن التغطية الإعلامية أكثر تطرفاً. وبدلاً من التركيز على مطالب الطلاب المتظاهرين وشرح الخلفيات الكامنة وراء قرارهم بالتظاهر، وهي بالتالي الجرائم الإسرائيلية والابادة الجماعية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، كانت عناوين الأخبار والصحف تركز على المواجهات بين الطلاب والشرطة.

بالمقابل، تجد استطلاعات الرأي أن الأميركيين الأصغر سناً كانوا أكثر ميلاً للتعاطف مع الفلسطينيين من الإسرائيليين. وأن المزيد من الشباب الأميركيين كانوا عموماً، أقل دعماً لدور الولايات المتحدة في الصراع، ومعارضين للمساعدات العسكرية لإسرائيل. وهذا أمر لافت للنظر بالنظر إلى قوة وثروة ونطاق عمل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، والدعاية الإعلامية الأميركية السائدة، والقوالب النمطية المنهجية والممارسة منذ فترة طويلة ضد العرب والمسلمين، وتحديداً الفلسطينيين، في هوليوود والإنتاج المرئي والمسموع على وسائل التواصل والتي صرفت عليه مليارات الدولارات.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور