الأربعاء 22 أيار , 2024 03:38

كيف سيدير النظام الإيراني المرحلة الانتقالية؟

مقعد الرئيس ابراهيم رئيسي فارغاً وإلى جانبه الرئيس بالوكالة محمد مخبر

بالتأكيد أنّ حادثة استشهاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد إبراهيم رئيسي أعلى هرم السلطة التنفيذية ووزير خارجيته والوفد المرافق لهما في تحطم طائرتهما في المنطقة الحدودية بالقرب من أذربيجان يطرح العديد من التساؤلات، إن كان حول طبيعة الحادث الأليم من جهة، أو لمعرفة ما ينص عليه الدستور في كيفية إدارة البلاد في حال شغور منصب الرئاسة في مثل هذه الحالات.

تاريخيا، واجهت الجمهورية الإسلامية في إيران من قبل مرتين فراغا مفاجئا في منصب الرئاسة، أولاهما في يونيو/حزيران 1981 عندما قرر مجلس الشورى (البرلمان) تنحية الرئيس أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للبلاد بعد الثورة الإيرانية، لعدم الأهلية السياسية، والثانية في أغسطس/آب من العام نفسه عندما اغتيل خلفه الرئيس الشهيد محمد علي رجائي بتفجير حقيبة مفخخة.

ومع استشهاد الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي والفريق المرافق له بحادث طيارة مفاجئ، تعود الأسئلة مرة أخرى حول آلية التعامل مع هذا الظرف، وعن مؤسسات الدولة المنخرطة فيه، وكيف تسهم في إدارة هذه المرحلة الانتقالية؟ وهل يعتمد النظام السياسي الإيراني على سلطة الرئيس أم أنه نظام مؤسسات لا يتأثر بغياب الرئيس عنه لمدة مؤقتة؟

معالجة الفراغ الرئاسي وإدارة المرحلة الانتقالية

ينص الدستور الإيراني في المادة 131 بتولي النائب الأول للرئيس مقاليد الرئاسة، وهو في هذه الحالة محمد مخبر، الذي يتولى مهام الرئيس ومسؤولياته بعد موافقة قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي.

وتنص المادة 132 من الدستور إلى أن" الفترة التي يتولى فيها النائب الأول لرئيس الجمهورية أو شخص آخر عيّن بموجب المادة 131 مسؤوليات رئيس الجمهورية ويتمتع بصلاحياته، لا يمكن استجواب الوزراء أو حجب الثقة عنهم ولا يمكن اتخاذ أي خطوة لإعادة النظر في الدستور أو لتنظيم استفتاء عام في البلاد".

بعد ذلك يتم تشكيل لجنة مكونة من الرئيس المؤقت محمد مخبر ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ورئيس القضاء غلام حسين محسني أجئي، لوضع الترتيبات اللازمة لانتخاب رئيس جديد للبلاد في غضون 50 يوما (تقرر خلال اتفاق مبدئي تحديد يوم 28 يونيو المقبل موعدا للانتخابات). ورغم أن الفترة الانتقالية تبدو بحساب الأيام قصيرة، فإنها بخصوصيتها الإيرانية قد تكون بالغة الدقة والحذر محلياً، وأيضاً على الصعيدين الإقليمي والدولي.

استمرارية المؤسسات الدستورية

تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة مؤسسات، بمعنى أن الدستور الإيراني بمثابة الميثاق الوطني، وفي حال وقوع أحداث طارئة كوفاة رئيس الجمهورية ووزير خارجيته تتم المرحلة الانتقالية بسلاسة ويتم إجراء انتخابات. ولأن الجمهورية الإسلامية تعيش تغييراً طارئاً فتحديد موعد الانتخابات وفق الآليات الدستورية يحصل بشكل فوري دون الاستفادة من المهل الزمنية الدستورية.

إنّ وضوح نص الدستور الإيراني وتكامله يجعل اللجنة المخولة بإجراء الانتخابات، المكونة من مجلس صيانة الدستور ووزارة الداخلية، على أهبة الاستعداد دائما لأن الأرضية اللازمة والبنية الأساسية موجودتان. إضافة إلى أن وجود القائد الخامنئي الذي يشرف على البلاد يساهم بشكل كبير في إدارة هذه المرحلة وتجاوز العقبات.

ومن الدلائل المهمة على استمرارية العمل الدستوري وعدم تأثره بشغور موقع الرئاسة (على الرغم من أهمية الدور الدستوري الذي يقوم به رئيس الجمهورية)، فقد عقد أعضاء مجلس صيانة الدستور في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قبل تشييع الشهيد الرئيس إبراهيم رئيسي ورفاقه، اجتماعاً مشتركاً مع أعضاء وزارة الداخلية بشأن موعد الانتخابات وآلياتها، وهذا دليل على عدم تأثر المؤسسات الدستورية وصلابة النظام ومؤسساته تحت جناح قائد الثورة الإسلامية. فوفقا للمادة 91 من الدستور الإيراني: يهدف هذا المجلس إلى ضمان مطابقة ما يصدق عليه مجلس الشورى الإسلامي مع الأحكام الإسلامية والدستور".

تم يوم أمس - مع بداية مراسم تشييع الشهداء - افتتاح مراسم الدورة السادسة لمجلس خبراء القيادة بحضور المنتخبين. وهذه دلالة أخرى على استمرارية عمل المؤسسات وعدم تعطلّها. انعقدت اللجنة القيادية العليا لمجلس خبراء القيادة. كما تم انتخاب آية الله موحدي كرماني رئيساً، وآية الله أبو القاسم وافي نائباً للرئيس، وحجة الإسلام محمد رضا فلاح تفتي ومحمد حسين بياتي، أميني سر الفترة السادسة لمجلس خبراء القيادة. وبعد ذلك أعلن آية الله موحدي كرماني بدء مراسم أداء اليمين للأعضاء المنتخبين في مجلس خبراء القيادة، وأدى الأعضاء المنتخبون اليمين.
نّ انعقاد اجتماع مجلس خبراء القيادة أمس، قبل تشييع الشهداء إلى مثواهم الأخير، دليل وجواب على من يسأل أو يعتقد بأن الدولة ستسقط بعد استشهاد رئيسها. إضافة إلى ذلك من الضروري الإشارة إلى أنّ مجلس الشورى الإسلامي أيضا سيبدأ في عقد أولى جلساته بعد أيام قليلة وهذا دليل إضافي على استمرارية المؤسسة الدستورية وتحديدا السلطة التشريعية في عملها.

هذه المرحلة الانتقالية يديرها النائب الأول وهو يعتبر في هذه الحالة بمثابة رئيس الوزراء، إذ إن النظام السياسي الإيراني لا يتضمن منصب رئيس للوزراء، وفي الحالة التي نشهدها اليوم بدأ النائب الأول للرئيس منذ وقوع الحادث الأليم بتولي مسؤوليات الرئيس، بتكليف من السيد قائد الثورة وبناء على النص الصريح للدستور.

اختبرت إيران حوادث مشابهة، وكانت قادرة على التعامل معها، وهي قادرة على التعامل مع هذا الحدث، لكن لا يمكن أن نسقط أهمية غياب الرئيس ووزير الخارجية من المشهد السياسي في إيران وفي الإقليم في مثل هذه الظروف المعقدة. ولكن ما نشاهده من انضباط في التعاطي مع الحدث الأليم إن كان رسمياً أو شعبياً يعطي انطباعاً واضحاً بأنّ هذا البلد سيتخطى هذه المصيبة بحكمة وصبر وتوكل.





روزنامة المحور