الإثنين 08 تموز , 2024 08:12

إيران ومعجزة الانتخابات وفوز پزشكيان

الانتخابات الرئاسية الإيرانية

كانت حادثة شهادة رئيس الجمهورية الإسلامية الراحل السيد ابراهيم رئيسي بتاريخ 19-5-2024 مؤثرة في إيران والدول الإسلامية وقوى التحرر في العالم، فلم يكن بالحسبان أن يقومَ شخص أنفق جلّ حياته في شؤون القضاء بكل هذا المنجز خلال فترة لا تتعدى الثلاث سنوات سواء على مستوى الداخل او الخارج، حتى أسمَت مراكز الفكر والدراسات منهج إيران الدبلوماسي بدبلوماسية السجاد، والدبلوماسية الإسلامية، وأسماء أخرى للدلالة على فن الدبلوماسية الإيرانية الناجح.

بعد رحيل السيد رئيسي ووزير الخارجية عبد اللهيان كان أمام القيادة في إيران أن تؤخِّر الانتخابات الرئاسية التي يفرضها الدستور بإجرائها خلال 50 يوما، أو أن تُجريها في وقتها إيمانا منها بتثبيت قيم العمل واحترام الدستور وإرادة الشعب الذي كتبه ووقّع عليه. كانت أشبه بالمعجزة أن تقوم إيران بإجراء الانتخابات بمدة لا تتعدى ال41 يوما، حيث لم تكن الدولة مهيّأة للانتخابات التي غالباً ما يكون الاستعداد لها على الأقل قبل ستة أشهر أو سنة،فلا بد من تحديث بيانات الناخبين، وتهيئة مراكز الاقتراع والقضايا اللوجستية من أجهزة ومعدات واستمارات ووسائل نقل بالاضافة للموظفين اللذين من الواجب إدخالهم في دورات للعمل حول آخر التقنيات، كذلك وسائل الاعلام التي تحث المواطن للمشاركة، ونقل وقائع الانتخابات نفسها، والمشكلة الأهم المرشحون، ومن الذي سيتقدم للترشيح في ظل ظروف البلد الداخلية والخارجية.

بعد الإعلان عن موعد الانتخابات في مدة 50 يوما وبعد شغور المنصب كما يؤكد الدستور، سعى ثمانون مرشحاً للمنصب، فيما لم يتأهل منهم سوى ستة فقط من التيارين الإصلاحي والمحافظ، والأسماء المرشّحة هم أبناء الثورة الإسلامية الذين خدموا في مؤسساتها ونالوا شرف العمل بها، ومن أُسر معروفة بالتدين والزهد. إن المنصب في إيران لا امتيازات فيه، حيث واحدة من ميزات جميع الذين تسنموا المناصب هو الزهد، وقد تركوا مناصبهم وهم على ذات الحال فلا دار توسّعت، ولا مزارع طُوّبت ولا أملاك أُزلفت، حيث يعودون الى منازلهم، والى رواتبهم القديمة، ودراجة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد خير شاهد، أو يُكّلفون بمنصب آخر، وغالباً ما يتشرفون بالعمل في مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يضم شخصيات الدولة السابقين، وعليهم يقع تكليف أكبر في المشورة والرأي. حين تم الإعلان عن موعد الانتخابات المبكرة، اتفقت جميع وسائل الاعلام والكتّاب والمفكرين ان هذه الدولة راسخة المؤسسات، ولا غرابة في سرعة الإعلان عن الموعد، لأنها واثقة من إجراءاتها ومن مؤسساتها وشعبها. ليس هنالك من إجراء بحق أي شخص إيراني لا يشارك في الانتخابات، ولم نسمع او نقرأ يوماً أن مواطناً إيرانياً عوقب او اتُخذ بحقه إجراءٌ إداري لأنه لم يشارك بالانتخابات.

 الانتخابات الإيرانية الرئاسية لم تقتصر على الداخل بل أُجريت في (92) دولة بالعالم فيما أدّى حتى زوار المراقد الشريفة وحجاج بيت الله الحرام الانتخابات في العراق والسعودية. واللافت للنظر ان الإعلام الغربي الناقم على الجمهورية الاسلامية يئس من ان ينال من الانتخابات، واكتفى بالتركيز على أمرين: الأول هو نسبة المشاركة، والثاني ان رئيس الجمهورية في إيران مقيّد الصلاحيات، وكلا الأمرين غير صحيحة، فالمشاركة لامست الخمسين بالمئة، ورئيس الجمهورية واسع الصلاحيات فهو المنصب الثاني بعد منصب قائد الثورة. إيران لا تحكمها الأمزجة والتفرد بالرأي والتحولات الحادة في السياسة والآراء، إنما تعمل كأُسرة واحدة، والقرار في الجمهورية الاسلامية يصدر وفق مباديء وقيم الاسلام، ويتميّز النظام في الجمهورية الاسلامية بفرادة النموذج في الحكم الذي يجمع القانون الإلهي الديني الغيبي والقانون الإنساني الوضعي؛ وارتبطت محدّدات كلِّ من “الجمهورية” و“الإسلامية” وأُطرها في توليفة خاصة أمّنت للنظام السياسي الإيراني خاصية في عملية صنع القرار بغية الحفاظ على منجزات الثورة وبناء الدولة. وفي حين تُمثّل القيادة السياسية عاملًا أصيلًا في عملية صنع القرار؛ لجهة تحديد سياسة الدولة، وإنتاج القرارات، تؤثر مجموعة من القوى الاجتماعية السياسية، بخصائصها المميزة في صناعة القرار أيضا، ويبقى صمام الأمان الولي الفقيه، الذي اجتمعت به صفات العدالة، والتقوى، والشجاعة، وعدم رضوخه للأوهام، والخبرة السياسية، والعلم بالقانون، والقدرة على إدارة وتدبير شؤون الأمة، وايمان الأمة به، واختياره قائداً. وحين تم الإعلان عن فوز السيد مسعود بزشكيان سارع المرشح الخاسر سعيد جليلي للقول "على الجميع احترام الرئيس الجديد وتقديم الدعم له"، أما المرشح الفائز پزشكيان فقد دخل إلى مرقد الإمام الخميني (رض) لتجديد العهد مع مُثُل وقيم مؤسس الثورة الإسلامية، والإعلان بأنه سيسير على المنهج الذي خطّه الإمام الراحل، مؤكداً انه سيحاول فك العقد واحدة بعد الأخرى بإشراف السيد القائد الخامنئي. هذا هو منطق الرئاسة في إيران الاسلام.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

د.محمود الهاشمي

- كاتب وباحث عراقي




روزنامة المحور