الإثنين 22 تموز , 2024 10:32

مجلس قيادة المرحلة الانتقالية للحكومة الإيرانية: ذراعٌ استشاريّة أم "غرفة الفكر" الخلفيّة؟

بزشكيان وظريف

بعد أن فاز طبيب القلب والسياسيّ "مسعود بزشكيان" في الانتخابات الإيرانيّة الرئاسيّة المبكّرة، كان لافتًا مبادرته إلى تشكيل مجلس قيادة المرحلة الانتقاليّة للحكومة الإيرانيّة الجديدة وبرئاسة "محمّد جواد ظريف"، وإن توقّف دور هذا المجلس على اقتراح المرشّحين المؤهّلين فقط ليكونوا أعضاء في الوزارات والمناصب، بينما يقع على عاتق "بزشكيان" باعتباره الرئيس المنتخب، اختيار مرشّحه من بين القوائم المقدّمة أو من خارجها، مع تفضيل بأن يكون 60% من حكومته وزراءً لأوّل مرة.

يتألّف هذا المجلس من لجان، ويضمّ في كل لجنة من لجانه نخبتين أكاديميّتين ونخبتين من غير الأكاديميّين. كما يضمّ عضوًا عن جبهة الإصلاح وآخر من الأحزاب الأخرى، ومتخصّصين من منظّمات المجتمع المدني والنقابات المختلفة والقطاع الخاص. وهناك سيّدة على الأقل تشارك في جميع اللجان، وعضوًا على الأقل من الأقليّات العرقيّة أو الدينيّة.

يعدّ هذا المجلس ذراعًا استشاريًّا للرئيس المنتخب، إلّا أنّه يستبطن إيحاءات كامنة، يتصدّرها:

-الدلالة التي يرمز إليها رئيسه "محمّد جواد ظريف خوانساري" كوزير خارجيّة (15 آب/ أغسطس 2013 – 3 آب/ أغسطس 2021) برز في حكومة الشيخ حسن روحانيّ ولا سيّما عندما رفع تحيّة الابتهاج إثر ما اعتبره إنجازًا تاريخيًّا في 14 تموز/يوليو 2015 حيث تمّ التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النوويّ الإيرانيّ بين طهران و"مجموعة 5 + 1" (الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، بالإضافة إلى ألمانيا)، وتم توقيعه خلال فترة رئاسة "باراك أوباما"، بعد سلسلة طويلة من المفاوضات. دخلت الصفقة حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2016.  قيّد للفريق المفاوض الإيرانيّ أن يستقطب أضواء تلك اللحظة مع ما صاحبها من جدل بين الاتجاهات السياسيّة الإيرانيّة ومن تفاعلات مجتمعيّة داخلية. لكن الرئيس "ترامب" ما لبث أن سحب بلاده من الاتفاق في أيار /مايو 2018 وأعاد فرض العقوبات على إيران، مما أدخل تلك الاتجاهات والتفاعلات في صخب جديد وتقويم للخيارات والرهانات، لا تزال موضع نقاش حيويّ.

-تأكيد الدلالة الصريحة على التوجّه السياسي العام لرئيس الجمهوريّة المنتخب وامتنانه إلى الكتلة الإصلاحيّة في المجتمع الإيراني، لما يمثّله تاريخه ومواقفه السياسيّة ولما عكسه واقع حملته الانتخابيّة؛ فقد جاء بدعم التيار الإصلاحي وزعيمه "السيّد محمد خاتمي" الذي كان "بزشكيان" واحدًا من وزرائه، كما خاض حملته الانتخابيّة بجهود ثلاثة من وزراء "الشيخ روحاني"، هم: وزير الخارجية الأسبق، جواد ظريف، وزير الاستخبارات الأسبق، محمود علوي، ووزير الاتصالات الأسبق، محمد جواد آذري جهرمي.

-المؤشّرات الدالة على منهجيّة تفكيره وطريقة عمله حيث افتتح عهده بوصفه الرئيس التاسع للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، معتمدًا تكوين هذا المجلس بعناصره، وعلى دعوة جميع الفصائل لتسمية المرشّحين لتولّي المناصب، على أساس أنّ الحكومة القادمة ليست ائتلافيّة وإنما حكومة وحدة وطنيّة. علمًا أنّ التركيبة الوزارية ستقدّم إلى مجلس الشورى ذي التركيبة الأصوليّة المحسوبة على طيف جبهة الثبات "پایداری" المؤيّدة لـ"سعيد جليلي"، ما يجعل التوازن السياسي مع المؤسّسات القويّة في إيران راجح الموقف، للوفاء بالالتزامات بسلاسة مفيدة.

تبقى مسألة التحدّر المجتمعيّ للرئيس المنتخب من العرق الأذري محل رصد، لمعرفة تأثير هذا العامل في تركيبة الحكومة وتوجيه قراراتها بعدما شكّل "العرق" رافعة انتخابيّة ضامنة لفوزه وفّرته له المحافظات ذات الأغلبيّة العرقيّة الأذريّة (محافظات أذربيجان -الغربية والشرقية- وأردبيل وزنجان.

بحلول24 تمّوز/ يوليو، سيتم تحديد النتيجة النهائيّة للمراجعة التي تقوم بها قيادة المرحلة الانتقاليّة، قبل أن تُقام مراسم تنفيذ وتسليم حكم الدورة الرابعة عشرة لرئاسة جمهوريّة إيران الإسلاميّة، والبدء الرسمي لأعمال رئيس الجمهوريّة المنتخَب، يوم الأحد 28 تموز/ يوليو 2024، بحضور قائد الثورة الإسلاميّة وعدد من مسؤولي البلاد، في حسينيّة الإمام الخميني الراحل على ان تعقد مراسم التنصيب في مجلس الشورى الإسلامي في 30 تموز/ يوليو.

یدرك "بزشكيان" أن سبيله إلى مبنى الرئاسة الإيرانيّة في شارع باستور وسط العاصمة طهران لن يكون هانئًا في ظلّ التحدّيات الداخليّة والخارجيّة، وفي ظل النقاش السياسيّ الحيويّ داخل المجتمع  وفي الفضاء الافتراضيّ، حيث يتحرّك المجتمع الإيراني في مرحلة سياسيّة كامنة، وستنجلي تباعًا، وسيكون لمجلس قيادة المرحلة الانتقاليّة دوره في تكوين الحكومة الجديدة ومآلاتها استنادًا إلى مدى سلامة التكوين وكفاءته وانسجامه، ومسارب ضغط مؤسّسيه وبعض أركانه بوصفهم "غرفة الفكر" الخلفيّة التي تحكمها تطلّعات ومصالح وكتلة انتخابيّة نافذة، وإن كان المجلس سيُحل بعد تشكيل الحكومة ولن يكون له أي وظيفة أخرى.

وكانت لافتةً المواقف التطمينية التي أطلقها بزشكيان على المنابر وأمام المباركين له من التيار المبدئي (المحافظ)، وأيضا رسائله لقادة محور المقاومة، ما يساعد في إنجاح ولايته وعمل حكومته، التي دعا قائد الثورة الإسلامية الامام السيد علي الخامنئي أعضاء مجلس الشورى لإعطائها الثقة دون تأخير، واصفاً الرئيس بزشكيان بالرجل الصادق والأمين.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: د. عبد الله عيسى




روزنامة المحور