مع امتلاك الكيان السلاح النووي الذي صنفه مع تصاعد الصراع مع القوى العربية بأنه سلاح ردع ذو درجة عالية من الجهوزية تصل الى حافة الاعتماد عليه كسلاح هجومي عند الشعور بالتهديد الوجودي، كما حدث في حرب 1973 عندما استطاع الجيشين السوري والمصري شن هجوم ابتدائي كاسح للدفاعات الإسرائيلية في سيناء والجولان، ومع الخوف الإسرائيلي من تطوير الهجوم والدخول الى الأراضي الفلسطينية المحتلة شكل التهديد بضرب سوريا ومصر بالسلاح النووي عاملاً أساسياً بدعم أمريكي مفتوح بالسلاح وتدخل مباشر لسلاح الجو الأمريكي في المعركة.
مقابل قراءة مثل هذه الحالة والتصريحات الإسرائيلية عن إحداث دمار كبير في غزة بعد السابع من اكتوبر بحسب حديث وزير التراث الإسرائيلي أنه: "سنستيقظ غداً ونرمي ما يرقى الى قنبلة نووية على قطاع غزة" لا بد من الحديث عن استراتيجية مقابلة.
إذا كانت القنبلة النووية تحدث دماراً شاملاً وهذا دونه محاذير كبيرة على الصعيد العالمي، فإن هناك مساعي ومحاولات لاستبدال التدمير الشامل بعمليات قصف مركز ودقيق تستهدف المنشآت الحساسة والأساسية لأي بلد وتخرجها عن الخدمة، وقد استعمل الأمريكي هذه الإستراتيجية أثناء غزو العراق بحيث ضربت الصواريخ الأمريكية الدقيقة والثقيلة حوالي ثمانية آلاف هدف عسكري ومنشأة استراتيجية وأخرجتها عن الخدمة، وهذا ما يسميه الأمريكي الضربة الإستراتيجية التقليدية.
تعريف الضربة الإستراتيجية التقليدية:
يمكن تعريف عمليات الضربة الإستراتيجية بأنها تلك الموجهة نحو المصادر الرئيسية للقوة العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية للعدو، وتركز عمليات الضربة الاستراتيجية بشكل أساسي على تحقيق هدف تعطيل مراكز ثقل العدو، ويتم تعريف مركز الثقل هنا على أنه تلك الأصول العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية التي يتم حرمان العدو منها، مما يؤدي إلى فقدان قدرته أو إرادته على تقديم المزيد من الدعم للقوات الصديقة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
تشمل الأهداف الإستراتيجية كل ما يتعلق بإدارة القوات العسكرية، وإمدادها، وحمايتها، ومراكز التجمع، ومخازن الأسلحة الأساسية والثانوية، مقرات القيادة والأركان، والقواعد العسكرية، المطارات العسكرية والمدنية، والمنشآت ذات الاستخدام المزدوج، محطات توليد الطاقة والتوزيع، المخازن الإستراتيجية للنفط وغيره، عقد المواصلات الأساسية والهامة، الموانئ البحرية، منصات استخراج النفط والغاز، الإدارات الرسمية الأساسية بما يشمله من وزارات والخاصة بإدارة شؤون البلاد.
تطوير خطة بديلة عن التفوق التقليدي والنووي:
كان لا بد لقوى محور المقاومة من تطوير خطة تواجه الخطر النووي الإسرائيلي فكان مشروع الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى والبعيدة المدى كخطوة أولى، وبعده جاء تحويل هذه الصواريخ الى صواريخ دقيقة ونقطوية ثم نشرها في توزع جغرافي محيط بفلسطين المحتلة وتشكيلها كجدار صاروخي يستطيع القيام بضربات استراتيجية تقليدية تستهدف كل الأصول والمنشآت الإستراتيجية والعسكرية وتحييدها.
الأهداف والأصول الإستراتيجية في الكيان:
المنشآت العسكرية: داخل فلسطين المحتلة هناك ما يقارب المائة وخمسين منشأة وقاعدة عسكرية وهي عبارة عن قواعد سلاح الجو وقواعد الرادارات والإنذار المبكر، والدفاع الجوي، وقواعد عسكرية هامة ومخازن للأسلحة الإستراتيجية والقواعد البحرية والمنشآت النووية والكيميائية، كل منشأة من هذه المنشآت بحاجة الى مئة صاروخ ثقيل ودقيق لتدميرها.
المنشآت المدنية: يمتلك الكيان قائمة طويلة من المنشآت المدنية الإستراتيجية تتوزع بين منشآت صناعية هامة، ومنشآت نفطية، ومنشآت تخزين، ومنصات استخراج النفط والغاز، وموانئ بحرية، ومنشآت كيميائية، ومحطات توليد وتوزيع الطاقة، وشبكة سكك حديدية ومواصلات، ومطارات مدنية، وقد يصل تعدادها الى أكثر من ألف منشأة صناعية وزراعية وتجارية.
الهجوم المركب:
مسيّرات - صواريخ دقيقة - صواريخ انزلاقية - صواريخ التشتيت.
مع تجربة الهجوم الإيراني الذي يعتبر جزءً بسيطاً من استراتيجية الهجوم الشامل، يضاف إليها ما جرى من إطلاق صواريخ، ومسيّرات من اليمن والعراق أصبح واضحاً لدى قوى محور المقاومة نقاط القوة الضعف وأساليب العمل عند الكيان. فكل جزء من هذا الهجوم المركب يكمل الباقي، فصواريخ التشتيت والتحييد عملها استنزاف المخزون الأول لمنظومات الدفاع، واستنزاف طائرات سلاح الجو الاعتراضية ثم المسيرات لضرب رادارات المنظومة الدفاعية واعمائها ثم الصواريخ الدقيقة والانزلاقية لتدمير الأهداف المطلوبة.
يشكل الهجوم المركب بهذه القدرة التدميرية الهائلة خطراً كبيراً على الكيان فهو قد يوازي بعض الأسلحة النووية، وثانياً يحمل في طياته القدرة على شن هجوم بري ضخم نتيجة تحييد القدرات الأساسية التي يعتمد عليها الجيش الإسرائيلي في المواجهة البرية، فالهجوم المركب سينتج عنه تحييد سلاح الجو بشكل أساسي مع ما يتبعه من منظومات إدارة وسيطرة، ومنظومات دفاع جوي مما يفتح المجال لقوى محور المقاومة التي ستناور برياً بأن يكون لديها قدرة أكبر على الحركة، وسرعة في الهجوم، وحتى فتح المجال للقيام بضربات جوية في عمق الكيان.