الأربعاء 16 حزيران , 2021 02:49

كيري وزيراً للعالم وبلينكن وزيراً للخارجية

بايدن، بلينكن وكيري

بعد انتخاب "جو بايدن" رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، صدر عن إدارته وثيقة استراتيجية مؤقتة تظهر الملامح العامة لتوجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي حظت الصين من خلالها النصيب الأكبر منها لما تشكله من تهديد للولايات المتحدة الأمريكية والعالم، وتركز الوثيقة على القضايا المتعلقة بالتغير المناخي ودعوة الصين إلى التعاون من أجلها، وتأتي هذه الوثيقة بالتزامن مع استحداث منصب جديد في الإدارة الأمريكية، وهو المبعوث الخاص بالمناخ الذي تم تكليف وزير الخارجية الأسبق "جون كيري" به، وهذا ما أثار قلق العديد من المسؤولين داخل الإدارة، لما يحمله هذا المنصب من أبعاد قد تجعل من كيري هو الوزير الفعلي للخارجية حالياً لما يتمتع به من خبرة وشعبية واسعة في الخارج، على عكس نائبه السابق "بلينكن"، الذي بات حالياً وزيراً للخارجية الأمريكية.

"إذا كانت الأمور بحاجة إلى التغيير، فابحث عن كيري للذهاب قبل بلينكن"، هذا ما كتبته صحيفة "بوليتيكو" في مقال عنوانه علاقة جون كيري- توني بلينكن لها تناظرية مقلقة منذ الخمسينيات.

لم يكن مفاجئاً أن يختار الرئيس "بايدن"، "أنتوني بلينكن" أو "توني" كما يناديه أصدقاؤه، وزيراً للخارجية الأمريكية، فالأخير كان كان له مسار تدرجي ضمن الإدارة أتاح له أن يكون مقرباً بشكل كبير من الرئيس الحالي، خاصةً بعدما شغل عدة مناصب أكسبته خبرة على الصعيدين الإداري داخل المؤسسة إذ عمل كمدير للموظفين الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وعلى الصعيد الدبلوماسي كنائب لوزير الخارجية جون كيري في السابق.

يصف كثيرون من المقربين من "بلينكن" على أنه الرجل "الفرنسي" داخل الإدارة الأمريكية، أي "المهذب" أو "المحترم"، فهو خريج إحدى المدارس الباريسية في صغره ويتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة. من جهة أخرى ينقل عن بلينكن أنه رجل ما خلف الأضواء، لم يكن يوماً صاحب قرار أو صانع سياسات، بل أكثر من ذلك كان مجرد متزلف لدى المسؤولين عنه طيلة الفترات التي قضاها في مختلف المناصب التي شغلها.

دائماً ما يردد في مقابلاته وخطاباته تأييده لأفكار "أوباما" و"بايدن"، ففي جلسة المساءلة التي عقدها الكونغرس الأمريكي قبل تنصيبه وزيراً للخارجية، قال "بلينكن": الرؤية التي سأتبعها هي رؤية صاغها في كثير من الأحيان الرئيس بايدن.

"بلينكن" العازف على الغيتار والذي نشر مسبقاً على موقع "سبوتيفاي" ألبوماً غنائياً خاصاً به، والذي يمارس هوايته في لعب كرة القدم مع زملاؤه في وزارة الخارجية في واشنطن، بات وزيراً للخارجية الأمريكية. فبعد فوز الرئيس "جو بايدن" بالانتخابات على نظيره "دونالد ترامب"، عين "بايدن" مستشاره السابق "أنتوني بلينكن" وزيراً للخارجية، لكن ما شكل فارق عن باقي الفرق السابقة لدى الإدارة الأمريكية، هو استحداث منصب جديد داخل الإدارة وللسياسة الخارجية الأمريكية، وهو المبعوث الرئاسي الخاص للمناخ، الذي سلّم لوزير الخارجية الأسبق "جون كيري".

يقول مستشار ونائب الرئيس التنفيذي في المجلس الأطلسي "ديمون ويلسون": "بلينكن" استراتيجي، لكنه لائق للغاية، إنه رجل لطيف ومع ذلك في بعض الأحيان يمكن أن يؤدي كونك الرجل اللطيف أيضاً إلى مشاكل، حيث يمكن للمسؤولين الأكثر عدوانية من تجاوزك.

ليس عبثاً تم استحداث منصب مبعوث المناخ، فبعد إصدار الوثيق الاستراتيجية الجديدة الأمريكية التي تعهدت بها الولايات المتحدة الأمريكية البقاء على قمة النظام العالمي، والتركيز على الصين على أنها "المنافس الوحيد"، قررت الإدارة الأمريكية استحداث هذا الموقع الذي يعالج من خلاله مختلف القضايا العالمية منها الاقتصادية والسياسية والبيئية، في مواجهة الصين التي تشكل تحد مستدام أمام نظام دولي مستقر ومفتوح كما أشارت الوثيقة.

وفقاً لأشخاص مطلعين على الترتيبات، أشاروا إلى أن "جون كيري" قد منح مكتباً في الطابق السابع والذي هو مخصص لكبار المسؤولين في وزارة الخارجية على الرغم من أنه ليس من ضمنهم ما يدل على الدور الذي سيلعبه في الملف الخارجي، بالإضافة إلى ذلك من المتوقع أن يكون ل"كيري" مكاتب في وزارة الخارجية والبيت الأبيض وبالتالي يصبح جزءاً من مجلس الأمن القومي ويمنحه ذلك تفويضاً باستخدام طائرة عسكرية دبلوماسية، مما يثير مخاوف من توسع نطاق عمله وحتى إقحام نفسه في قضايا خارج نطاق تخصصه.

في حديث مع شبكة CNN أشار مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية قبيل توجه "جون كيري" إلى أوروبا للقاء قادة الدول في شهر آذار المنصرم، إلى أن بلينكن قد بارك ودعم الرحلة لكن هنالك مخاوف من أن يطغى على وزارة الخارجية فوراً.

في حين يشار إلى أن بلينكن وكيري متقاربان جداً بسبب العلاقة الوظيفية التي جمعتهما سابقاً، إلا أن بعض المسؤولين يخشون من أن الاختلافات الشخصية والتداخل بين الوظائف قد يخلق ديناميكية تطمس الخطوط الفاصلة بين الاثنين، وهذا ما أكده المستشار السابق لأوباما والمدافع عن قضايا المناخ "جون بوديستا" قائلاً: إن العلاقة بين بلينكن وكيري غير نمطية.

كيري الذي خبر العمل الدبلوماسي منذ شبابه والذي أحبته الأضواء واكتسب شهرته على المسرح العالمي منذ أول منصب دبلوماسي شغله، تتجه اليوم الأنظار إليه على أنه الرجل الأول في السياسة الخارجية الأمريكية، إذ يقول "كيفين بوك" عضو منتدى شركة "clear view energy partners" الاستشارية: أن كيري سيكون وزير العالم أما بلينكن فوزير للخارجية.

لم يحدد الرئيس الأميركي "جو بايدن" دور كيري، بل بتعيينه منحه تفويضاً واسع النطاق بشأن قضية تمس تقريباً كل المجالات الأخرى في السياسة الداخلية والخارجية، فبعد انسحاب الرئيس السابق ترامب من الاتفايات المتعلقة بالمناخ لاقى الانسحاب سخطاً عارماً في الداخل الأميركي وأثار أيضاً حفيظة الدول الأوروبية، إذ ما إن قرر بايدن إعادة الالتزام باتفاقية باريس للمناخ لاقى قراره استحساناً كبيراً  فبحسب إحصاءات مركز "pew research"، في أوروبا، يؤيد حوالي تسعة من كل عشرة أو أكثر في ستة بلدان شملهم الاستطلاع هذه، إضافةً إلى الترحيب بالعودة إلى الاتفاقية من قبل قادة الدول الذين التقى بهم "كيري"، أما بالنسبة للداخل الأميركي تشير استطلاعات الرأي أن الشعب الأميركي راض عن العودة للاتفاقيات المتعلقة بالمناخ، وهذا ما سينعكس إيجاباً على شعبية "كيري" كونه المسؤول المباشر عن هذا الملف خاصةً أنه يتمتع بالمكانة والقدرة على إعادة تعريف دبلوماسية المناخ الأمريكية، وهو ما تحتاجه الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه لن ينجح في ذلك إلا إذا تم دمج دوره في استراتيجية أوسع لا يتعارض معها أو يقوضها، وفي ما يخص هذا الموضوع يقول "كيري": سيكون لأميركا قريباً حكومة تتعامل مع أزمة المناخ على أنها تهديد للأمن القومي الملح.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: محمد حمدان




روزنامة المحور