حطّمت معركة طوفان الأقصى هيبة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأسطورة الجيش الذي لا يقهر، والاستخبارات الكفؤة. فضربت عمق الوعي الإسرائيلي، وحفرت في عقلِهِ الجمعي، مهشّمةً صورة الجيش والألوية العسكرية والمؤسسة الأمنية، التي لازالت تتبادل الاتهامات منذ 7 أكتوبر 2023. ثم وجّهت ضربة لمشروع تصفية القضية الفلسطينية، ولمشاريع الاستيطان والتطبيع، بالإضافة إلى تسبّبها بصراعات سياسية كبيرة بين القيادات الإسرائيلية المختلفة، التي انقسمت إلى موالاة ومعارضة، ومؤيدٍ لاستمرار الحرب ومطالبٍ بهدنة لإخراج الأسرى، وبين مستعجلِ ومتمهّلٍ لاتفاقيةٍ تعيد الأسرى.
أمام هذه الوقائع، خاض الكيان الإسرائيلي حربه النفسية خلال طوفان الأقصى على ثلاثة مستويات:
- مستوى أوّل: موجّه للجمهور الإسرائيلي، لجعله متقبّلاً للحرب، ومقتنعاً بها ومتفهّما لسلبياتها، من خلال إفهامه بأنه مهدّد من الفلسطينيين.
- مستوى ثانٍ: موجّه للمقاومة وجمهورها سواء في لبنان أو في فلسطين، لمحاولة التأثير عليه.
المستوى الأول من التأثير النفسي: موجّه للجمهور داخل الكيان المؤقت
- الضخّ الإعلامي والتصريحات الرسمية: (نتنياهو، غالانت، هاليفي، هاغاري، الذين يهددون المقاومة في خطاباتهم ليظهروا أمام جمهورهم بمظهر القوي والمتحكّم بالأمور، والمالك زمام السيطرة العسكرية والقتالية، وهنا يحاول الاحتلال تضخيم إنجازاته من خلال الحديث الدائم عن التدمير والقضاء على حماس، وإظهار حجم الغارات الجوية، وكميات المتفجرات المستخدمة.
- تمجيد وتفاخر بالعسكر وإنجازات الميدان: مع إظهار فائض القوة والتحكّم والهيمنة: هذا التمجيد والتفاخر يلجأ له نتنياهو دائماً، للاستعراض والتباهي بفائض القوة والهيمنة، بينما يستخدمه هاغاري بدافع الإثبات والتدليل على أن الجيش يقوم بمهامه ولا يقصّر.
- زيارة الجبهات وتفقّد الجنود: والحرص على أخذ الصور. يحرص نتنياهو مثلاً على الظهور بمظهر الضاحك والممازح ورافع الرأس، سريع الحركة الذي يسلّم على كل جندي أو يعانق البعض، ويستعمل المنظار العسكري للدلالة على أنه والجندي معاً، وهذا ما يجعل الجندي يتحسّس شراكة رمز الدولة معه وتقاربه منه، لكن بالمقارنة مع وزير الحرب غالانت، لا يمكن للمرء تجاهل ملامحه القاسية، وعدم ضحكه مع الجنود ولا حتى بمجرد ابتسامة، بالإضافة إلى ملابسه السوداء التي لم يبدلها تقريبا منذ 7 أكتوبر 2023.
المستوى الثاني: موجّه للمقاومة وبيئاتها
- الصورة الدموية العنيفة التي لا يتحرّج الكيان الإسرائيلي من تداولها وتسويقها: (مثل الاغتيالات وتفجير المجمّعات السكنية وتجريف المستشفيات وذبح الأطفال)، على الرغم من نتائجها السلبية على صورته، لكن الاحتلال يضحّي بسمعته أمام الرأي العام العالمي، على حساب تنفيذ سياسة البطش والإجرام التي انتهجها كعقيدة قتالية منذ مرحلة تأسيس الكيان مع عصابات شتيرن والأرغون، وهي نهج سياسي وقتالي، نادى به جابوتنسكي ونفّذه بيغن وشارون قبل نتنياهو. تعتمد هذه الصورة الدموية والإجرامية على نشر الترويع وارتكاب الفظائع، وهو أسلوب نفسي ينتج الخوف والتحسّب.
- ترهيب الرأي العام اللبناني: من خلال التهديد بتكرار سيناريو غزة في لبنان.
- بث الإعلام العبري لمواد تحذيرية وتحريضية تحاول إحداث شرخ بين المقاومة وبيئتها.
- استخدام لغة تأثيرية خاصة في مضمون الرسائل: (احذروا وحذِّروا أبناءكم/ أي شخص يفكر بعملٍ ضد الجيش سنصل إليه ونقتله/ سلّم نفسك من أجل عائلتك/ أخلوا منازلكم كي تسلموا) بهذه العبارات وغيرها، أطلقت إسرائيل حربها النفسية على الفلسطينيين، عبر التهديد العلني والمبطن والتحذير المسبق للنيل من عزيمتهم).
- التشكيك الدائم بجدوى المقاومة: من خلال عرض الخسائر التي تتكبدها المقاومة وجمهورها مقابل الخسائر الإسرائيلية، والتركيز على الكلفة الباهظة لخيار مقاومة الكيان المؤقت، في مقابل إخفاء الخسائر المتراكمة في المجتمع الإسرائيلي.
- التأثير في الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي: نجح الكيان المؤقت في إنشاء حسابات مزورة وغير مزوّرة، وحسابات رسمية باللغة العربيّة تستهدف العالم العربي والفلسطينيين بشكل خاص، كصفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" وصفحة أفيخاي أدرعي وسواها (ذكرت صحيفة هآرتس أنّ صناعة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي تتمّ داخل الكيان من قبل فريق يتألف من علماء نفس، وخبراء تسويق، وباحثين في الدراسات العربية، بالإضافة إلى طاقم استخبارات إسرائيلي، يعملون بشكل منهجي ومكثّف لإحداث تأثيرات نفسية لدى الجمهور المتلقي).
ختاماً، يعتمد كيان الاحتلال في حربه النفسية على التضليل الإعلامي والتعتيم عبر إخفاء الخسائر وفرض الرقابة العسكرية حظراً على المعلومات ومنع نشرها بحجة الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية. يؤثّر التعتيم الإخباري إيجاباً على الاحتلال لأنه لا يعطيه أي خبر عن حقائق تحصل على الجبهات، مثلا، الأعداد الحقيقية للخسائر الإسرائيلية، أو الوقائع الصحيحة للأضرار الناتجة عن تهجير سكان الشمال.
الكاتب: غرفة التحرير