الأربعاء 28 آب , 2024 04:11

الوساطة الزائفة: التلاعب الأميركي في المفاوضات

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن

تحتل المفاوضات الدائرة بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي عبر الوسطاء وبرعاية أميركية، حيّزاً كبيراً من الأخذ والرد، وتباينت المواقف حول مصيرها بعد فشلها المستمر بولادة صفقة بين إسرائيل وحماس تضع حدّاً للحرب. وسط تركيز الإعلام العبري على إصرار نتنياهو بالقضاء على أي فرصة لتقدم المفاوضات ووضع بنود جديدة لا يمكن الاتفاق عليها.

في هذا الإطار، أوضحت حركة حماس موقفها، وأعلنت التزامها بمقترح 2 تموز الذي يستند على خطاب بايدن وقرار مجلس الأمن، ويتضمن وقف العدوان والانسحاب من قطاع غزة والإعمار. في مفاوضات الدوحة استبق الراعي الأميركي عبر وزير الخارجية، بلينكن، قبل بدء المفاوضات، الأحداث باتجاه اتهام حركة حماس بالعرقلة، بقوله: "سنقوم بكل ما هو ممكن خلال الأيام المقبلة لإقناع حركة حماس بالموافقة على مقترح سدّ الفجوات ومصر وقطر تعملان على تفسير البنود الغامضة لتتفهمها الحركة وتوافق على الاتفاق كما وافقت عليه إسرائيل". يناقش هذا المقال ماهية الدور الأميركي في المفاوضات بين إسرائيل وحماس.

التراجع عن خطة بايدن-نتنياهو

في جولة الدوحة تراجع نتنياهو عن الاتفاق مع الأميركيين عما ورد في خطة بايدن-نتنياهو في 27 أيار/مايو الماضي بشأن محور نتساريم، وسط القطاع، وتموضع قوات الاحتلال. وبحسب أحد المصادر، فإن مسألة انتقال الفلسطينيين من وسط قطاع غزة إلى الشمال، وهل سيكون هناك تفتيش إسرائيلي أم لا، لم تطرح على الإطلاق في الجولة الأخيرة في الدوحة. وتفجرت المفاوضات حول محور فيلادلفيا ومعبر رفح جنوبي قطاع غزة عند الحدود مع مصر، إذ يصر نتنياهو على وجود عسكري إسرائيلي على طول المحور ويحدّده بأنه "شرط استراتيجي" يؤمن تطويق ومحاصرة غزة دائريًّا؛ بينما تصرّ حماس على الانسحاب الإسرائيلي. بدوره، ركز رئيس وكالة المخابرات المركزية، بيل بيرنز، على محورية الاتفاق حول محور فيلادلفيا في إنجاح الصفقة"، بقوله: "إذا لم يكن هناك اتفاق بشأن فيلادلفيا فلن يكون هناك اتفاق وخسارة إضاعة الوقت في بنود أخرى".

إن نتنياهو الذي يواصل الادعاء بأنه لم يقم بتحديث طلباته، أصر على الشروط المتشددة في عدم الانسحاب من محوري فيلادلفيا ونتساريم، و"القضاء على حماس وتحقيق النصر"، ما أدّى إلى نسف المفاوضات. بيد أن نتنياهو لا يتحمل المسؤولية وحده، إذ أعلن وزير الخارجية الأميركية، بلينكن، الموافقة على المقترح الجديد للصفقة، بل وتحميل حركة حماس مسؤولية الرفض، في حين اعترفت هآرتس نقلًا عن مصدر أمريكي بمسؤولية واشنطن عندما "أعطى بلينكن نتنياهو الضوء الأخضر لطرح موقف متطرف إزاء الصفقة بما لا يخدم تقدمها".

عملت واشنطن على استغلال عدم مشاركة حماس في المفاوضات وادّعاء تراجعها في تحميلها المسؤولية عن عدم نجاح سير المفاوضات؛ علمًا أن الذريعة كانت محضّرة مسبقًا قبل البدء بالجولة، وسبب رفض المشاركة سبق أن أوضحته الحركة بشكل صريح وجلي لأنه لا يتوافق مع مقترح بايدن الذي تم التوافق عليه. وهنا، ينبغي الإشارة إلى أن الدبلوماسية الأمريكية لم تعلق سلبًا على تعديلات نتنياهو التي طرحها قبل بدء التفاوض في الدوحة، وهذا يوضح انحيازها إلى جانب نتنياهو في هذه النقطة.

الهجوم الأميركي على اليمين المتطرف

بدأت واشنطن الضغط الدبلوماسي على نتنياهو وفريقه المتطرف عبر استغلال الموقف الإيجابي لرؤساء أجهزة الأمن، بما في ذلك وزير الجيش، غالانت، من إمكانية التوصل إلى اتفاق، والهجوم على الجناح اليميني المتطرف في الحكومة، وزير الأمن القومي، بن غفير، ووزير المالية سموتريتش والتلويح بالعمل المباشر ضدهما. هذا الهجوم اللفظي -وإن كان يشير إلى مدى التشنج بين الطرفين- يبقى غير فاعل ما لم يترافق مع إجراءات عملية، وهو ما لم يحدث. الأمر الذي يجعل الضغط على الطرف الإسرائيلي هشًّا واستعراضياً، ولا يحمل أي قيمة واقية مؤثرة على خيارات نتنياهو، العازم على إكمال سياسة الشروط التعجيزية المنفصلة عن النتائج العسكرية والسياسية.

تؤكد سياسة التلاعب الأميركية في المفاوضات عدم جدية واشنطن في وقف الحرب إلا في سياق خططها المشتركة الأهداف مع الكيان المؤقت في "القضاء على مصدر التهديد". وتعدّ الانتخابات الأرض الرخوة التي تسعى الولايات المتحدة عدم الغرق فيها خلال التعامل مع ملف الحرب على غزة الذي لا نهاية واضحة المعالم له حتى الآن، باستثناء تزايد مؤشرات التهديد على مستقبل الكيان ومصير النفوذ الأميركي في المنطقة.

تضبط المصلحة الأميركية الإسرائيلية المشتركة إيقاع الصراع، ومن الواضح أنّ التبنّي الأميركي لموقف نتنياهو يخضع لاعتبارات أميركية انتخابية، وأخرى إسرائيلية، وثالثة إقليمية استراتيجية. يسعى الطرفان لتحصيل المزيد من الأوراق التفاوضية وفرض المصلحة الإسرائيلية، والمماطلة بالوقت ورفع مستوى تنسيق الأدوار، وزيادة منسوب التحذير والتهديد من باب الاعتقاد أنه يحاصر المفاوِض الفلسطيني ويدفعه لتقديم بعض التنازلات.

يظهر الأداء الدبلوماسي الأميركي في جولة المفاوضات في الدوحة مرحلة من الإفلاس السياسي الأميركي الذي يدور حول نفسه في كل جولة ويعود إلى النقطة صفر. وساهم في دعم مشروع نتنياهو في "إعدام" أي الصفقة في الوقت الحالي، وجرت خلال هذا الأسبوع، جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة في القاهرة، بمشاركة مسؤولين من الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل وقطر، ولم يتم التوصل إلى اتفاق.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور