تشكّل عملية القوات المسلحة اليمنية الهجومية النوعية، عبر قصف عاصمة الكيان المؤقت تل أبيب، بصاروخ باليستي فرط صوتي، إعلاناً عملياتياً واضحاً، بأن محور المقاومة - بركنين أساسيين فيه - بات لديه القدرة على إنتاج وتطوير هذا النوع من الأسلحة الاستراتيجية، التي تمتلكها قلة من الدول حول العالم، ربماً يقل عددها عن أصابع الأيدي العشرة.
فهذا السلاح يتيح لمستخدميه، تنفيذ هجمات دقيقة، وتخطي مختلف أنواع منظومات الدفاع الجوي والاعتراض الصاروخي. وهذا ما حصل في العملية اليمنية، حينما استطاع الصاروخ الفرط الصوتي من قطع مسافة 2040 كلم خلال 11 دقيقة ونصف (أي بسرعة 177 كم في الدقيقة الواحدة)، وتجاوز كل منظومات الاعتراض والدفاع الجوي الإسرائيلية من طراز حيتس وباتريوت ومقلاع داوود والقبة الحديدية والطائرات الحربية الاعتراضية وأنظمة التشويش، بالإضافة الى المنظومات الأمريكية المتواجدة في المنطقة.
ووفقاً لموقع "حدشوت بزمان" الإسرائيلي، دخل أكثر من 2 مليون و365 ألف مستوطن إسرائيلي إلى الملاجئ، بسبب هذا الصاروخ اليمني الواحد. عندها كيف سيكون حال الكيان، لو أطلق محور المقاومة عشرات الصواريخ من هذا النوع ومن جبهات مختلفة في وقت واحد.
وعليه، لا نبالغ إذا قلنا بأن الفشل الإسرائيلي والأمريكي في التصدي للصاروخ، يسلط الضوء على إخفاق عسكري كبير واستراتيجي لهذا الحلف أمام محور المقاومة، رغم فارق الإمكانات المادية الكبير بينهما.
وهذا ما عبر به أبو عبيدة في بيانه المشيد بالعملية، عندما قال بأن عدم قدرة إسرائيل على اعتراض الصاروخ يثبت عجزها عن خوض المعارك على جبهات متعددة، مضيفا أن "نتنياهو يتجه نحو كارثة مؤكدة".
ما هو تأثير امتلاك محور المقاومة لهذه التقنية على مسار الصراع مع أمريكا وإسرائيل؟
_تعزيز قوة الردع لدى الجمهورية الإسلامية ولدى اليمن، لأنه بات لديهم قدرة على مهاجمة أهداف بعيدة بدقة وسرعة، مما يرفع من تكلفة أي عمل عسكري ضدهم. وبالتالي تشكّل هذه العملية تحذيراً للكيان المؤقت والدول المتحالفة معه (سراً وعلانية)، من التفكير بالقيام بأي خطوة عسكرية عدائية ضد إيران واليمن، لأن سيكون سبباً بهجمات صاروخية سريعة. كما ستساهم هذه القدرة في تعزيز عنصر المفاجأة لدى محور المقاومة.
_ تعزيز قدرة المحور على استهداف أهداف استراتيجية بعيدة ومهمة داخل فلسطين المحتلة، مثل البنية التحتية الحيوية (مصانع توليد الطاقة – مرافق توزيع المياه ومعامل الصرف الصحي - شركات التكنولوجيا والأسلحة) أو القواعد العسكرية المهمة والرئيسية. وقدرة هذه الصواريخ على الوصول إلى عمق الكيان بسرعة ودقة قد تسبب أضراراً كبيرة، مما قد يزيد من الضغط على حكومة الاحتلال.
_إضعاف الدفاعات الجوية الأمريكية والإسرائيلية: فبما أن هذه الصواريخ سريعة جداً ولديها قدرة عالية على المناورة، فإن أنظمة الدفاع الجوي والاعتراض الصاروخي، ستكون غير قادرة على التصدي لها بسهولة، بل وربما الى مرحلة العجز الكلي (كما حصل الأحد 15/09/2024).
_امتلاك هذه التكنولوجيا سيشكّل ورقة ضغط فاعلة في المفاوضات الإقليمية والدولية، خاصة بما يتعلق بمفاوضات إنهاء العدوان الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة، بحيث يمكن للمقاومة الفلسطينية استخدام هذه القدرة كورقة ضغط إضافية لتحقيق شروطها.
ما هي الصواريخ الفرط صوتية التي يمتلكها محور المقاومة؟
_صاروخ "فتاح – 1": الذي طورته الجمهورية الإسلامية وأُعلنت عنه في حزيران / يونيو 2023. ويعتبر هذا الصاروخ إضافة استراتيجية لقوة الصواريخ الإيرانية، كونه يتميز بسرعة تصل إلى 13-15 ماخ (حوالي 15,000 إلى 18,000 كيلومتر في الساعة). وهذه السرعة تجعله من الصواريخ التي يصعب اعتراضها، ضد أهداف بمدى 1,400 كيلومتر، مما يعني أنه قادر على ضرب أهداف في نطاق واسع داخل منطقة غرب آسيا (الكيان وجميع القواعد العسكرية الأمريكية). ويتميز هذا الصاروخ بقدرته على المناورة العالية، مما يزيد من صعوبة اعتراضه باستخدام أنظمة الدفاع الجوي، فهو بإمكانه تعديل مساره أثناء التحليق.
لاحقاً تم الكشف عن فتاح 2، الذي يتميز باستخدامه لتكنولوجيا "الانزلاق الفرط صوتي" (Hypersonic Glide Vehicle)، مما يجعله أكثر تطوراً من باقي أنواع وأجيال الصواريخ الباليستية وأكثر قدرة على تخطي منظومات الاعتراض.
_ صاروخ حاطم -2 الفرط صوتي اليمني، الذي تتجاوز سرعته أكثر من 5 أضعاف سرعة الصوت – وهو يعمل بالوقود الصلب، وتم صنعه في هيئة التصنيع العسكري اليمنية. ويتمتع حاط -2 بنظام توجيه وتحكم ذكي وقدرة على المناورة، ويمتلك عدة أجيال بمديات مختلفة. كما يتميز بالقدرة على إصابة الأهداف بشكل دقيق ومن على مديات طويلة. وقد كُشف عن هذا الصاروخ لأول مرة بعد استهدافه لسفينة (MSC SARAH V) الإسرائيلية في البحر العربي، ولكن لدخوله على خط العمليات تأثيرات كبيرة، لا سيما في تجاوز منظومات الاعتراض الصاروخية والدفاع الجوي. وربما استخدام الصاروخ هذا كان أحد عوامل فشل القوات العسكرية الأمريكية من وقف جبهة الإسناد اليمنية.
_حتى الآن، لا توجد تقارير تشير إلى أن امتلاك حزب الله صواريخ فرط صوتية. لكن لا يُستبعد امتلاك الحزب لهكذا صواريخ، فمحور المقاومة وخاصةً الجمهورية الإسلامية، لا يتوانوا عن تزويد حلفائهم وشركائهم في المحور بما يحتاجون إليه من القدرات المادية والمعرفية لتطوير عملهم وتمكينهم أكثر فأكثر عسكرياً. بل وربما يكون بحوزة حزب الله صواريخ فرط صوتية ذات مميزات أكثر تطوراً مما هو معلن.
الكاتب: غرفة التحرير