الخميس 03 تشرين أول , 2024 01:06

السردية الأميركية الاسرائيلية قبل الحدث وبعده: مفاتيح العملية السياسية تبدأ من هنا!

يعتمد التعامل الاسرائيلي  الاميركي مع أي حدث، مهما كان حجمه، على مسارين. الأول، الجهد العسكري المركّز للدفاع أو الهجوم. والثاني -وهو لا يقل أهمية- خلق سردية إعلامية تمهّد الطريق للتعامل مع أي من الخيارات الطارئة أثناء الحدث وما بعده. وهذا يعتمد بدوره على المعلومات الاستخبارية بالدرجة الأولى، والتقدير السياسي لاختيار رد الفعل الذي يحقق المصلحة (وهذا إما يكون بالتصعيد أو الاحتواء)، وبهذه الطريقة عالجت الآلة الاعلامية عملية "الوعد الصادق 2" الايرانية التي استهدفت جغرافيا فلسطين المحتلة على امتدادها.

بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشهيد اسماعيل هنية في  العاصمة الايرانية طهران، تركزت التقديرات على أن يكون الرد على الاغتيال بعد ساعات عدة، فيما طرحت فرضيات حول طبيعته، واذا قرر المحور الرد مجتمعاً أو فُرادى. حتى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن توقعت بأن يكون الاستهداف بعد 24 ساعة، فيما ذهب الرئيس السابق دونالد ترامب إلى القول بأنه تلقى معلومات استخباراتية تؤكد بأن الحدث سيكون خلال "يوم الاثنين" أي بعد ساعات من تصريحه.

وعلى الرغم  من الغموض الاستراتيجي الذي اتبعته طهران حول وقت الرد وطبيعته، وسط تأكيد بحقها فيه، كانت الدعاية الغربية ترتكز على أن "المحور" بأكمله سيهاجم "إسرائيل" وهذا ما يوجب تكاتفاً اوروبياً أميركياً وعربياً لمواجهة "التهديد". وهذا ما وظفه كيان الاحتلال في المحافل الدولية، وتُرجم برسائل بعثت للقيادة في إيران، تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب.

حتى قبل  بدء العملية  بساعات، كانت الولايات المتحدة، بكل ما تملكه من تقنيات وأساليب وامكانيات، منها الأقمار الاصطناعية التي لا تفارق فضاء إيران، بعيدة عن التنبؤ بساعة الصفر. في حين أن الدعاية الاسرائيلية كانت بالمقابل، تروج لامكانية "شن هجوم وقائي" لردع طهران.

قبل الهجوم:كان التركيز على التشكيك بنية طهران في الرد.

بعد مضي أسابيع على اغتيال الشهيد هنية، ثم اشتداد وتيرة الحرب على حزب الله  في لبنان والتي استهدفت بشكل أساسي قيادات رفيعة من الحزب، اتُهمت  طهران "بالخيانة" والتخلي. وهي حملة ممنهجة دارتها أبواق الاعلاميين والناشطين المنسجمين دائماً مع خطاب قادة كيان الاحتلال.

بالتوازي، كان المسؤولون الأميركيون والاسرائيليون يكملون جزءاً آخر  من المهمة: تحضير الرأي العام لهجوم متوقع دون الادلاء بذلك بشكل صريح، وجاءت على الشكل التالي:

-حصول الولايات المتحدة على معلومات استخباراتية تشير إلى وجود مؤشرات تفيد بأن إيران قد تكون بصدد التحضير لهجوم بصواريخ باليستية على إسرائيل.

-الالتزم بالدفاع عن الكيان لصد أي هجوم محتمل.

-التهديد بأن أي ضربة مباشرة من إيران ستكون لها "عواقب وخيمة" على طهران.

-التهديد بالعواقب الدولية وعدم تساهل الولايات المتحدة وحلفائها في مواجهة أي تهديد لاستقرار المنطقة.

-التلويح بالتعزيزات العسكرية بالمنطقة، ووصول سفن حربية جديدة للدفاع عن إسرائيل.

بعد  الهجوم: فرض رقابة على الخسائر في محاولة  لتفريغ العملية من مفاعيلها.

حيث تناقلت وسائل اعلام غربية أن الكيان استطاع صد الهجوم، ولم ينتج عن الضربة خسائر تذكر، وأنها لم تُصب أهدافها، ثم محاولة اقناع "الجمهور" بأن ما وصل منها استهدف مناطق مفتوحة. وعلى الرغم من محاولات النكران الاسرائيلية، فضحت عدسات الفلسطينيين والمستوطنين ما حاولت الرقابة العسكرية اخفاؤه، كما أن الجهد الكبير الذي بذل من أجل تبديل صور الأقمار الاصطناعية للقواعد العسكرية، يدل على حجم الخسائر التي يحاول الاسرائيليون اخراجه من دائرة الضوء. وبالتالي  تركزت الدعاية ما بعد الاستهداف الايراني على التالي:

-الادعاء بأن إسرائيل أحبطت الهجوم الإيراني بمساعدة واشنطن

-تقليل من أثر الهجوم وتصويره على أنه غير فعال.

-التأكيد على التزام واشنطن بالدفاع عن إسرائيل.

-التهديد بتداعيات الهجوم على إيران.

-دعوة دول العالم لإدانة الهجوم الإيراني.

-التلويح بالردّ الإسرائيلي والسيناريوهات الأكثر تطرفاً وهو ضرب إسرائيل لمنشآت نووية إيرانية

لا تقل الآلة  الاعلامية الاسرائيلية الأميركية أهمية عن آلة القتل التي أشهروها بوجه المدنيين منذ عقود. اليوم، بات قراءة السردية الاعلامية بشكل صحيح، هو جزء هام للتنبّؤ بالمرحلة المقبلة. خاصة وأن المفاتيح باتت معلومة بعد أن أكثروا من استعمالها لسنوات خلال حروبهم في المنطقة. فقد يكون تضخيم الحدث ناتج عن رغبة في التغطية على شيء آخر، أو للتقليل من شأنه بعد أن ينجلي الغبار، أو تبرير لردة فعل تضاهي الفعل الأصلي. الأمر نفسه ينسحب على تقليل من  أهمية أمر ما.

من ناحية أخرى، فإن السردية الاعلامية التي يجتهد هؤلاء في هندستها، ولو  أنها تنجح في تحقيق هامش ما، إلا أن اخفاء الخسائر  مثلاً، وان نجحوا بالتكتم ومنع الحديث عنها، إلا أن المستوى السياسي الموكل إليه تقدير الموقف ثم أخذ القرارات، مجبر على قراءة تقارير سريّة دقيقة، تعطي أرقام الخسائر بدقة، وهذا ما سنرى مفاعيله بعد أن تتوجه إسرائيل مرغمة على طاولة المفاوضات، على الرغم  من أن خسائرها البشرية لم تكن  سوى عدد من الجنود (بحسب المُعلن).


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور