الثلاثاء 15 تشرين أول , 2024 08:06

ضربة إيران وانكشاف السياسة الأميركية

مقاتلات أميركية

صباح يوم الخميس، نشر موقع اكسيوس الأميركي أن نتنياهو سيعقد اجتماعاً مع مجلس الوزراء الأمني للتصويت على "عمل عسكري كبير ضد إيران". الخبر بحد ذاته يستحق النقاش والبحث فيه، ولكن ما يلفت في خبر اكسيوس تأكيد أحد المسؤولين الأميركيين الكبار، أن محادثة هاتفية "ضرورية" أجريت ما بين نتنياهو وبايدن "لمحاولة صياغة حدود الرد الإسرائيلي"، على إيران بالتأكيد. والأمر الآخر الذي يستحق المناقشة هنا ما تبادله المرشحان خلال المناظرة التي أجريت في آب/ اوغسطس، وما تبادله نائبا المرشحين للرئاسة الأميركية، في الثاني من هذا الشهر، حول سياسة الولايات المتحدة الأميركية في "الشرق الأوسط".

يقع الديمقراطيون ما بين نارين، إما خسارة الولايات التي أغلبيتها عربية ومسلمة، وهي ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، وما بين خسارة الولايات ذات الأغلبية اليهودية، وهي نيويورك وكاليفورنيا وفلوريدا ونيوجرسي. مع العلم أن فلوريدا اليوم تعد ولاية جمهورية. إذ أن الفريقين- العرب واليهود- ينتخبون المرشح الديمقراطي، والذي عليه أن يستجيب اليوم لمطالب متناقضة تتعلق بالمجازر الصهيونية المرتكبة اليوم في كل من غزة ولبنان وحتى في سوريا واليمن. ومن الواضح أن ترامب لا يهتم لشأن الولايات الثلاث الأولى مادامت الأصوات التي جعلته يخسر في انتخابات 2019، هي أصوات العرب والذين لن يصوتوا لهاريس وسيقاطعون الإنتخابات، ولكنه في الوقت نفسه، يهمه أصوات ال 75% من اليهود والتي تذهب عادة للديمقراطيين.

تبادل التصريحات والمناكفات ما بين المرشحين للرئاسة الأميركية، الديمقراطية، نائبة الرئيس الحالي، جو بايدن، كامالا هاريس، والجمهوري، الرئيس السابق، دونالد ترامب، يعكس الشكل العام للسياسة الأميركية، والتي تراعي أمن ومصالح "اسرائيل" أولاً. وفي الحقيقة هي تراعي امن ومصالح الشركات الأميركية المهيمنة على كبرى الصناعات في فلسطين المحتلة والمتعلقة بانتاج المنتجات النفطية واستثمارها، وانتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر للشرب، والصناعات التقنية الإلكترونية.

فمن اجل فهم السياسة الأميركية في فلسطين المحتلة ودعمها المطلق للصهيونية في فلسطين، علينا أن نعي عمق المصالح الأميركية فيها، ومن أهمها السيطرة على طرق التجارة العالمية عبر دعم الصهاينة من خلال اتفاقيات السلام واتفاقيات أبراهام، التي مكنت الصهاينة من الإشراف على الممرات البحرية الهامة من مضيق جبل طارق حتى قناة السويس، ولولا الموقف اليمني المشرف والمقلق للأميركيين والبريطانيين، لكانت "اسرائيل" وبمساعدة دولة الإمارات لديها السيطرة التامة على مضيق باب المندب.

هذا ناهيك عن مجموعة الممرات التي يخطط الصهيوني والأميركي لفتحها وربط توريد الغاز والنفط عبرها، والتي يمكنها منافسة مشروع حزام وطريق الصيني، وهي ممر داوود من الجولان مروراً بسوريا والعرق إلى وسط آسيا، والممر الهندي من الهند عبر الجزيرة العربية إلى ميناء حيفا في فلسطين، وقناة بن غوريون التي تصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط من خلال ميناء عسقلان، وهنا يمكننا أن نرى أن أهداف الحرب على لبنان وفلسطين وعملية التهجير واستهداف المدنيين ليست بريئة، بل مرتبطة بمشاريع أميركية كبرى في المنطقة وهي تحدد السياسات الأميركية الخارجية.

فمن هذ المنطلق تنبثق السياسات الخارجية الأميركية نحو المنطقة. فإما أن يتحقق ما يريد الأميركي عبر اتفاقيات أبراهام وعبر الخضوع والإستسلام والإستمرار بتهجير الفلسطينيين أو عبر الحرب الكبرى التي يدفع نحوها نتنياهو، والتي قد توقع المنطقة تحت وزرها إذا قرر الصهاينة مهاجمة إيران، بوصفها القوة الكبرى الداعمة للمقاومات في المنطقة. الديمقراطيون مازالوا يتحدثون عن حل الدولتين في فلسطين، وفي الوقت نفسه تحدثت هاريس عن حق "اسرائيل" في الدفاع عن نفسها، ثم أشارت إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير. فيما يقول ترامب أنه خدم اسرائيل من خلال فرض توقيع اتفاقيات أبراهام وفي حصار إيران عبر الغاء مفاعيل الإتفاق النووي وحصارها. وهذا تماماً ماسيقوم به، وقد بدأ ذلك فعلياً عبر ترويج أن محاولات اغتياله قد تكون إيران مضطلعة بها، وهي اتهامات كبيرة جداً.

وخلال مناظرة المرشحين كنائب للرئيس الأميركي في نيويورك في الثاني من هذا الشهر، الديمقراطي تيم والز والجمهوري جي دي فانس، عندما سئل الطرفان عما إذا كانا سيدعمان ضربة استباقية قد توجهها "اسرائيل لإيران، قال فانس أنه سيقبل بتقديرات الكيان للوضع، فيما لم يجب والز على السؤال بشكل مباشر. عدم جواب والز يسمح بالتأكيد باب الإحتمالات التي قد تتخذها أية حكومة ديمقراطية مما يثير الريبة بشكل كبير.

بالنسبة للعلاقة مع إيران فمن الواضح، أن هاريس ستقوم بالإستمرار بسياسة سلفها بايدن لناحية المضي قدماً بتوقيع الإتفاق النووي. غير أن هذا الفريق يتخبط منذ أربع سنين وحتى اليوم. فقد تم الإفراج عن دفعات صغيرة من الأموال الإيرانية المحتجزة، ولكن هذا لا يكفي، فالإدارات الأميركية أسواء كانت ديمقراطية أم جمهورية، لا يمكنها تجاوز حقيقة الدعم الإيراني المقدم بقوة للمقاومات في المنطقة العربية والتي استطاعت أن تقوض أمن "اسرائيل". ولذلك عندما نشهد اليوم دعماً أميركياً غير محدود للصهاينة واتفاقاً حول عملية مدبرة لضرب إيران، وإن كانت محدودة كما يحاولون الحديث عنها، إلا أن هذا الأمر يثبت لمن أحقية الأمن في المنطقة بالنسبة للأميركيين، خاصة عندما نتحدث عن سيناريو الطرق التجارية المفترضة، كما أسلفنا.

ومن هنا يمكننا العودة إلى ما نشره موقع اكسيوس والذي يعبر حقيقة عن المواقف والسياسات الأميركية- الصهيونية بما يتعلق بالسياسة تجاه إيران، إذ نشر الموقع نقلاً عن وزير حرب الكيان، يوآف غالانت، إن "ضربة إيران ستكون فتاكة ودقيقة ومفاجئة". ونقل عن مساعد نتنياهو إنه  "بمجرد اتخاذ القرار [بضرب إيران]، سيرغب نتنياهو في إطلاع بايدن على الأمر". نشر هذه المعلومات يوضح تماماً ماهية السياسة الأميركية الخارجية القادمة. وبالتالي، يبدو أن "اسرائيل" تحفر قبرها بنفسها، أو أن الأميركيين باتوا على درجة من الخرف بحيث يسيئون التقدير حول نتائج ضربة كهذه.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور