تشير نتائج استطلاعات الرأي الصادرة أخيراً عن تقارب شديد بين نقاط المرشحين للانتخابات الرئاسية الاميركية في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. وعلى عكس الاستحقاق الرئاسي الماضي، تقبع المنطقة على صفيح ساخن وهي أقرب ما تكون إلى نقطة الغليان. من جهته، يرى رئيس الوزراء الاسرائيلي مصلحته في أن يصل دونالد ترامب إلى البيت الابيض، اذ يعتبر أن "الصديق القديم" سيكون مفتاحاً لعدد من "الملفات العالقة" في قطاع غزة والداخل المحتل، اضافة للبنان وإيران.
يرى الكثيرون أن مرجعية الرئيس السياسية –جمهورياً كان أم ديموقراطياً- لن تشكل فرقاً شاسعاً بالادارة. معتبرين أن كلا الحزبين وجهين لعملة واحدة يديرها ويستثمر بها لوبي واحد. وبمعزل عن صحة هذاالرأي من عدمها، إلا أن العقود الماضية ممتلئة بالشواهد على اسلوب الادارة المختلف بين كلا الحزبين انطلاقاً من أولويتهما على صعيد الساحة العالمية ككل وعلى رأسها الصين وروسيا، أضف إلى ذلك، المتغيرات التي فرضت نفسها حينها، وتركت بصمتها على القرارات المتخذة في الادارات حينها. وعلى سبيل المثال، فإن الرئيس رونالد ريغان الذي فرض حظراً لمدة 6 أعوام على مبيعات الاسلحة العنقودية إلى إسرائيل كان ديموقراطياً.
اليوم، لا يقل المشهد تعقيداً، مع توسع رقعة الصراع لتشمل جبهات عدة، على الرغم من جهود الولايات المتحدة المبذولة لحصره في قطاع غزة. وبالتالي، نجح بنيامين نتنياهو بتوريط واشنطن بالحرب. لكن حساباتها هي الأخرى في توقيت شديد الحسياسية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، جعلت من نتنياهو يبدي بعضاً من المرونة، لا تجعله يوقف الحرب وقتل المدنيين وارتكاب المجازر، والتجاوب مع مفاوضات وقف اطلاق النار، بل "بتأجيل" الشروع بتنفيذ خطته إلى ما بعد بدء عهد الإدارة الجديدة. وكل ذلك، يكشف عن سبب تفضيل نتنياهو لترامب.
على الرغم من أن ترامب كان يوجه انتقادات تارة ويبدي الدعم تارة أخرى، إلا أن ما قدمه لنتنياهو في عهده لكيان الاحتلال كان كبيراً. حتى في أوج حملته الانتخابية صرح بدعم نتنياهو الاستمرار بوتيرة مرتفعة من التصعيد "افعل ما عليك فعله".
تعزز هذه الشراكة علاقات نتنياهو الشخصية مع صهر ترامب ومبعوث الشرق الأوسط، جاريد كوشنر. كما أنتجوا سوياً الاتفاقيات التي اطلق عليها "اتفاقيات ابراهيم" وتطبيع علاقات كيان الاحتلال مع عدد من الدول العربية، دون مطالبة نتنياهو بتقديم أي التزام بدولة فلسطينية مستقبلية.
وانفصلت إدارة ترامب عن السياسة الأميركية طويلة الأمد من خلال اعتبرافها رسميا بما احتلته اسرائيل من حرب الأيام الستة عام 1967. حيث اعترفت واشنطن بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان من سوريا، وإعلانها مدينة القدس عاصمة لها. وكان من اثمن ما قدمه ترامب لنتنياهو، الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران وفرض عقوبات جديدة عليها.
وللإجابة عن ما الذي يمكن أن يحصل عليه نتنياهو من انتخاب ترامب، يقول جدعون راهط، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، أن "نتنياهو يصلي من أجل فوز ترامب، الذي يعتقد أنه سيمنحه الكثير من حرية الحركة، مما سيسمح له بالقيام بما يطمح إليه".
من جهتها، عبّرت صحيفة هآرتس عن ذلك بقولها "من الواضح أنه لا يوجد أحد في أي مكان يمكنه تقديم إجابة صادقة. حتى ترامب لا يعرف كيف سيتصرف بنفسه". لكنها تضيف بأنه من الممكن تصور بعض الخطوط الحمراء المعقولة. لن يكون من المنطقي أن يقود ترامب حرباً ضد إيران. إذا كان هناك خط ثابت في سلوك هذا الرجل غير المستقر، فهو الانعزالية، والرغبة في عدم خوض الحروب من أجل شخص آخر، وبالتأكيد ليس في الشرق الأوسط. قال ترامب مراراً وتكراراً إنه يريد عقد صفقة مع إيران وإنهاء الحرب في غزة ولبنان.
الافتراض الأكثر منطقية هو أن ترامب سوف يمد يد المساعدة لخطة نتنياهو الأكثر طموحاً، والتي هي في الواقع مصلحة إسرائيلية مهمة، أي توجيه ضربة عسكرية لايران. لكنه سيطلق العنان أيضاً للرؤية الأخرى المخيفة لائتلاف نتنياهو: ضم الضفة الغربية وتخفيف الضغط على المستوطنين المتطرفين.
كونها مجرد أفعال تصريحية، فمن السهل على ترامب القيام بها. لم يجد صعوبة في الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان والقدس الشرقية. قد يعترف بضم جزء من قطاع غزة أو الضفة الغربية، طالما لا توجد حاجة لاستثمار الأموال الأمريكية أو إرسال قوات أمريكية.
لكن في نهاية الأمر ان اعتماد إسرائيل الكبير على الولايات المتحدة في المجهود الحربي يجب أن يكون قد لعب دوراً. عندما يعطيك شخص ما أكثر من 18 مليار دولار سنويا، فلا يمكن العبث معه.
الكاتب: غرفة التحرير