يضرب كيان الاحتلال في ممارساته اليومية في فلسطين المحتلة وخاصة في الضفة الغربية عرض الحائط كل القوانين والأعراف الدولية التي ترعى حقوق الانسان على الأصعدة كافة، فهو لم يجد يوماً حسيباً أو رقيباً دولياً. بعد كشف الاحتلال عن ارتكابه لمجزرة في مقبرة الفالوجة شمال قطاع غزّة والتي راح ضحيتها 5 أطفال، لم تأخذ هذه القضية الإنسانية مسارها الطبيعي في محاسبة أو إدانة الاحتلال.
واليوم يقتحم الاحتلال 6 مؤسسات حقوقية وأهلية، في مدينتي رام الله (مقر السلطة الفلسطينية) والبيرة. وأغلق الاحتلال بشكل كامل هذه مكاتب هذه المؤسسات كما صادر كافة المعدات والملفات منها. وهذه المؤسسات التي تعتبر بحسب الأوساط الفلسطينية من أكبر المؤسسات الحقوقية والمدنية في الضفة الغربية، هي مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين، ومؤسسة الحق، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء.
وكان الاحتلال قد زعم بأنها تعمل لصالح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهو ما نفته تلك المراكز. وقالت القناة "السابعة" العبرية، أن إغلاق المؤسسات يأتي "ضمن محددات القانون الإسرائيلي، وبعد أقل من 24 ساعة من إصدار وزير الدفاع بيني غانتس، مساء أمس الأربعاء، تصنيفا رسميا لثلاث مؤسسات فلسطينية على أنها إرهابية". وكان غانتس قد وجه هذا الاتهام العام الماضي وطالب الدول الغربية بحظرها.
استنكار شكلي: السلطة والمجتمع الدولي لم يتخذا خطوات جدية
رفضت الولايات المتحدة الأمريكية كما الاتحاد الأوروبي التعاون مع هذا الطلب بعد أن أشارا إلى أنه لا يتضمن أدلة. لا يجسّد هذا الرفض الأمريكي والأوروبي سوى "ذر الرماد في العيون" اذ تنتهج الجهتين سياسة ازدواجية المعايير، تستنكر في خطابها الإعلامي ممارسات الاحتلال وهي في نفس الوقت داعمته وممولته الأساسية! كذلك طالبت الأمم المتحدة الكيان بوقف إجراءاته ضد هذه المؤسسات. الا أن هذه المطالبات تبقى شكلية في ظل عدم اتخاذ المجتمع الدولي أي قرار صارم أو عقوبة بحق كيان الاحتلال.
تنسحب الفجوات بين الخطاب والواقع على السلطة الفلسطينية غير القادرة على اتخاذ موقف جريء ضد الاحتلال وتكتفي بالاستنكارات التي ام تقدم يوماً حلاً للشعب الفلسطيني. فأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ الذي قال أن "اقتحام قوات الاحتلال مؤسسات العمل المدني وإغلاقها ومصادرة محتوياتها في رام الله، تصعيد خطير ومحاولات لاسكات صوت الحق والعدل، وسنتوجه إلى كل الجهات الدولية الرسمية ومؤسسات حقوق الإنسان بالتدخل الفوري لإدانة هذا السلوك الاحتلالي والضغط لإعادة فتحها وممارسة نشاطها بحرية كاملة"، رعى بالأمس الاتصالات "لتهدئة غضب" رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد من رئيس السلطة محمود عباس على خلفية مقاربة مجازر الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني منذ العام 1948 بـ"محرقة الهولوكوست" اليهودية المزعومة خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتز في برلين. عباس اضطر في نهاية المطاف الى تقديم توضيح قال فيه إنه لم يقصد "إنكار خصوصية الهولوكوست" معترفاً بها كـ "أبشع الجرائم التي حدثت في تاريخ البشرية الحديث"!
الاحتلال يستمر في إرهابه
على المقلب الفلسطيني، لأوضح مدير عام مؤسسة "الحق" شعوان جبارين أن المؤسسات تعمل بموجب القانون الفلسطيني، قائلا :"نتحداهم أن يثبتوا ما يدعون به من قضايا الإرهاب"، وشدّد "نحن لا نعمل بقرار من غانتس، نعمل بموجب قناعاتنا في الدفاع عن حقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة للشعب وتقرير المصير". وبدوره علّق اتحاد لجان المرأة الفلسطينية بعد اقتحامه بالقول إن "هذه السياسات لن تثبط عزيمتنا وصمودنا".
أما القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الشيخ خضر عدنان فاعتبر أن "الاحتلال يؤكد كل يوم حربه على كل من يرفضه ما يدلل على ضعفه وتخبطه في ظل صمود شعبنا، والمواجهة ليست مقتصرة على المقاومة المسلحة"، داعياً من كل الأحرار، ليكون لهم موقف جدي وحقيقي من كل المستويات. ورداً غانتس قال عدنان أن "الاحتلال الصهيوني الإرهابي لا يحق له وصم مؤسسات شعبنا وقواه الحرة والمقاومة بالإرهاب، لأن ممارساته اليومية من القتل والاعتقال والمداهمة والهدم ومصادرة الأراضي تؤكد ارهابيته بحق شعبنا".
وأعلنت حركة المبادرة الوطنية (حركة سياسية اجتماعية فلسطينية، تدعو المبادرة إلى التصدي للضغوط الإسرائيلية والعمل على استمرار الكفاح الوطني من اجل إنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة دولة فلسطين) أن "الهجمة الإسرائيلية على مؤسسات حقوق الإنسان، تمثل تطاولًا واستهانة بالسلطة الفلسطينية وتحديًا صارخًا وإهانة للمجتمع الدولي".
الكاتب: مروة ناصر