بعد فشل العملية العسكرية في مخيم جنين مؤخراً، اتجهت الأنظار الصهيونية إلى تفعيل ملف الاغتيالات من جديد وتصفية الشخصيات الداعمة لمجموعات المقاومة و"الأسود المنفردة" في أحياء ومخيمات الضفة الغربية، حتى كادت المنظومة الاستخبارية في حالة هوس أمني من الأحداث الميدانية وردات الفعل حول جرائم جيش الاحتلال البشعة بحق الشعب الفلسطيني فتتربص عيون "الشاباك" و"الموساد" للشخصيات القيادية المُوجِهة لتلك المجموعات والخلايا والكتائب المُشَكّلة بالضفة في محاولة منهم للوصول لحلقة الوصل وتحييد أي حدث متوقع تنفيذه في مناطق القدس و"تل أبيب" والضفة الغربية والداخل المحتل.
فيما يسعى العدو لتشتيت الأنظار عن لبنان عبر اعلامه المضلل، فمنذ عِدة أيام والخطاب ناري حول موضوع مزارع شبعا الحدودية، ووضع الخيمتين وقرية الغجر وإلخ. كما أن اجتماع مجلس "الكابينيت" المصغر كان يتداعى بالرد مؤخرا وهذا ما تداوله وزراء الاحتلال متطرفين، ووصلت المعلومات الاستخبارية بأن حزب الله ما زال يُصمم على بقاءه في هذه المنطقة على اعتبار أنها جزء لا يتجزأ من الحق اللبناني، وبالتالي أثناء العملية العسكرية في جنين كانت هناك تدخلات خارجية عديدة، والاحتلال حذّر من أي تدخل أثناء عملية الاجتياح.
وبما أن الأنظار الآن تتجه نحو لبنان علناً وخاصة بأن جزء من الإعلام العبري تحدث أن نتنياهو يتفرغ لمنطقة الضفة الغربية، بينما المناوشات على الحدود اللبنانية تتصاعد بشكل كبير جدًا، وخاصة بعد رفض حزب الله إزاحة الخيمتين إلى الوراء وتفجير المُسيرة على الحدود، فيما أبدى الاحتلال تقييم للأوضاع على الحدود اللبنانية ويرمي بإشارة الاتهام لحزب الله حول نوايا إقتحام الحدود وتنفيذ عمليات خلف الخطوط. كما ويسعى الاحتلال جاهدًا لدس السُم وتهويل الأحداث لتمرير أهدافه ومخططاته.
تتجه أيضًا أنظار الاحتلال سراً نحو إعادة تفعيل ملف الاغتيالات الأمر الذي يبدو أنه اتخذ فيه "قرارات حاسمة" في الاستعداد لمواجهة مفتوحة ومتعددة الجبهات مع الحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة، فيما يخشى العدو من الجبهة الداخلية، ومن فلسطينيين الـ 48 بعد سلسلة العمليات الأخيرة التي أثبتت فشل الأجهزة الاستخباراتية للاحتلال في توقعها، ونتج عن ذلك إقالة مدير شرطة الاحتلال في مجمع مستوطنات "غوش دان".
ينظر الاحتلال الى الاغتيالات في الضفة كفرصة لرسم صورة الردع، بعد فشل جيشه في السيطرة على مخيم جنين، وهو لا يتجاوز كيلو متر مربع تقريباً. صوّت "الكابينيت" مؤخراً على مواصلة تنفيذ عمليات الاغتيال، فيما يدعي اعلام العدو ومسؤوليه، بأن النيران المضادة للدبابات من لبنان وإطلاق الصواريخ خلال "عيد الفصح" العبري نفذتها حماس بأوامر من قائدها في الضفة صالح العاروري. وهنا استخدم العدو تلميحا لشخصية قيادية عالية المستوى ووجه الاتهام صوبها.
حاول الاحتلال، قبل العدوان على جنين، الترويج بأن هناك "حق لإسرائيل بالدفاع عن نفسها"، وتوجَه نتنياهو إلى الأمم المتحدة، والعديد من الدول للتدخل في الأمر وكسب رأيهم وموقفهم لصالحه، وحتى "اليونيفيل" قال بأن الخيمتين فتقعان داخل الأراضي المحتلة، وبالتالي مازال حزب الله يعتقد أن هذه المنطقة هي جزء لا يتجزأ من لبنان، وهذا سيصعد الأمور بشكل كبير، فيما تعد الورقة الرابحة لدى حزب الله، ولبنان بأن هذه "المسألة سيادية"، وبالتالي حان وقت الرد. بالرغم من أن هناك جهود دولية تتدخل من أجل ذلك، لكن الواضح بأنها فشلت، وهذا يعني أننا مقبلون على تصعيد في المنطقة، وتحديدًا الجبهة اللبنانية؛ التي رفض حزب الله بشكل مباشر عبر الوسطاء إزاحة الخيمتين بالرغم من أن جزء من الإعلام العبري وصفها "بالمناورات"، وأن حزب الله اليوم هو يمتلك الجرأة أكثر. لكن الإدارة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر للحملة العسكرية في مخيم جنين فهل ستعطي الضوء الأخضر للتفرد بالجبهة اللبنانية؟ وهنا يكمن السؤال الأهم هل كيان الاحتلال وتحديداً "نتنياهو" مستعد لحرب مفتوحة مع محور المقاومة على عدة جبهات في حال أقدم على اغتيال شخصيات بارزة بالمقاومة؟!
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع