أكّد القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام محمد الضيف خلال الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى أنّ المقاومة الفلسطينية "قررت وضع حد لكل جرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسب". وكانت سنة 2023، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو، حافلة بالاستفزازات والضغوط والجرائم بحق الفلسطينيين إلى جانب تطبيع بعض الدول العربية التي ولدت الانفجار الكبير ضمن إطار عملية طوفان الأقصى، حيث لم يكن هناك خيار آخر للفلسطينيين غير الحرب. وفي هذا السياق، تتعدد المسارات الداخلية والخارجية التي جعلت من "طوفان الأقصى" معركة ضرورية ومنتظرة.
انتهاكات المسجد الأقصى: صعّدت قوات الاحتلال وتيرة الاعتداءات على المقدسيين ومقدّساتهم خاصّة مع وصول اليمين المتطرّف إلى الحكومة، وذلك من خلال الهدم والضرب والاعتقال والإبعاد عن المسجد الأقصى، والسماح لمزيد من المستوطنين باقتحامه. فقبل شهر واحد فقط من عملية طوفان الأقصى في أيلول/سبتمبر 2023، اقتحم نحو 4500 مستوطن المسجد الأقصى نحو 1600 منهم خلال عيدي "رأس السنة العبرية" و "يوم الغفران". هذه الانتهاكات كانت دافعًا أساسيًا لإعلان الحرب على الاحتلال وخصوصًا بعد تحذير قادة الفصائل الفلسطينية مرارًا وتكرارًا، حيث صرّحت حركة حماس في 26 أيار 2022، أن "تجاوز الحكومة الإسرائيلية للخطوط الحمراء في الأقصى سيفجّر الأوضاع".
توسّع الاستيطان: اعتمدت جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة بناء المستوطنات وتوسيعها في الضفة الغربية، وتقديم الحوافز والتسهيلات لتشجيع هجرة الإسرائيليين إليها. وبلغة الأرقام، فقد تضاعف الاستيطان 4 مرات، إذ كانت تشير الإحصائيات في عام 1992 إلى وجود 172 مستوطنة يقطنها 248 ألف مستوطن، لتصل إلى 444 مستوطنة وبؤرة استيطانية يقطنها 950 ألف مستوطن في عام 2023. ويأتي هذا المشروع الاستيطاني تزامنًا، مع قرار اتخذه وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش في 6-9-2023، بشرعنة 3 بؤر استيطانية جديدة. وعلى الرغم من الإدانات الدولية للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، أعلن سموتريتش عن "شرعنة" البؤر الاستيطانية "افيغيل" و"اصائيل" في جنوب الضفة و"بيت هوغلا" في منطقة الأغوار. وعلى خلفية هذه الأحداث، حذّرت المقاومة الفلسطينية "حماس" أنّها ستقف "سدًا منيعًا" في وجه التسارع المحموم بالنشاط الاستيطاني واعتداءات المستوطنين بالضفة الغربية، "مهما كانت الأثمان".
الإجراءات الأمنية التعسفية في الضفّة: تعاني مدن الضفة الغربية وبشكل يومي من الإجراءات الأمنية التعسفية، وكذلك من نقص الخدمات الأساسية والسلع الغذائية وتضييق أمني كبير على الفلسطينيين، والذي ارتفعت وتيرته مع وصول اليمن المتطرف إلى الحكومة. حيث تشهد الضفّة: مداهمات شبه يومية للأحياء، وكمائن إسرائيلية بين الأحياء. وعلى ضوء هذه الاعتداءات، حذّرت المقاومة الفلسطينية مرارًا من وضع حدّ لهذه الجرائم والاعتداءات كما وصرّحت بأنهم "سيدفعون ثمن الجريمة والعدوان على شعبنا ومقدساتنا" وأكدت المقاومة بأن "الكلمة ستكون لها، ولن تتأخر في ردع الاحتلال عن جرائمه وانتهاكاته" مشددةً على أن "هتك الحرمات المقدسة امتداد للعدوان بحق شعبنا، وسيزيد من لهيب المقاومة". وحذّرت "حماس"، من التداعيات المترتبة على استمرار اعتداء المستوطنين الصهاينة على الممتلكات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلّة.
توسّع عمليات الأسر وسوء أوضاع الأسرى: يعد ملف الأسرى أحد أهمّ الأسباب وراء عملية طوفان الأقصى، والتي أعلنت حماس على أثرها أن ثمن إعادة أسرى العدوّ هو "تبييض كامل السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين". ويُدرك الأسرى، وخلفهم الشعب الفلسطيني، أن الوسيلة الوحيدة القادرة على تحريرهم، هي أَسر جنود الاحتلال، ثمّ تنفيذ عملية تبادل، وهذا ما حققته عملية طوفان الأقصى.
عمليات التهجير: ضمن طرح عملية التهجير أمر نتنياهو مجلس الأمن القومي بإعداد تقرير حول هذا الموضوع والاتصال بالدول المستهدفة التي يمكن أن ينتقل إليها سكان غزة. حينها أجرى الموساد اتصالات مع ثلاث دول - مصر والأردن وقطر - وكان الاقتراح بالنسبة لهم هو: "توفير إمكانية الهجرة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، مع وعد إسرائيلي بالحفاظ على حق العودة إلى قطاع غزة للفلسطينيين، بحيث لا تعتبر هذه الخطوة في الواقع هجرة بل إقامة". فضّل الجيش الإسرائيلي أن تكون الدولتان المستهدفتان هي الأردن ومصر، لأن الانتقال إليهما يتم عن طريق البر. وبما أن الشاباك كان يفضل قطر فعلياً، فقد تم رسم خطة لبناء مطار صغير بالقرب من غزة. وكبديل لذلك، وضعت خطة بديلة للخروج من غزّة عبر مطار رامون الواقع جنوب صحراء النقب، والذي تم افتتاحه في نفس العام.
الحصار الاقتصادي الأداة الأكثر فعالية لتهجير سكان غزّة: منذ ما يقارب 18 عامًا يعيش قطاع غزّة حصارًا اقتصاديًا خانقًا، يشتدّ خنقًا مع مرور الوقت، حيث وصلت الأوضاع إلى أشدّها قبل عملية طوفان الأقصى، حيث يسعى الاحتلال ومن خلال الحصار الخانق الى تنفيذ استراتيجية التهجير، إلى مصر عبر معبر رفح تحديدًا لأنه المكان الوحيد الذي يستطيع الغزيين الخروج منه إلى خارج القطاع بسبب الحصار الأمني.
نية العدّو في شنّ هجوم على فصائل المقاومة داخل وخارج فلسطين المحتلّة: ذكر نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الشيخ صالح العاروري، أنّ الحركة كان لديها معلومات ومعطيات، عن نية العدو شنّ ضربة قاسية ضد فصائل المقاومة داخل فلسطين المحتلة، بما في ذلك تنفيذ عمليات الاغتيال لقيادات في داخل فلسطين وخارجها.
التطبيع: إحدى دوافع عملية طوفان الأقصى هي لجم مسار التطبيع العربي الجاري مع الكيان المؤقت والتطبيع المحتمل مع السعودية، إذ اعتبرها الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية "طعنة في الظهر"، وتهميش إضافي مقبل للقضية الفلسطينية.
في الخلاصة، استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة نتيجة الحصار المستمر منذ قرابة العقدين، والذي فاقم المشكلات المعيشية لسكان القطاع. بالإضافة إلى ملف الأسرى الفلسطينيين، وتقويض دور السلطة الفلسطينية وتهميشها من طرف الحكومة الإسرائيلية وهو ما جعل تأثيرها محدوداً جداً في المشهد السياسي والأمني الفلسطيني، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية، وتمكين المستوطنين المتطرفين من انتهاكها، استمرار اقتحام الجيش الإسرائيلي للمدن والقرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية، وشن حملة اعتقالات وهدم للبيوت ومصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، وقيامه بممارسات استفزازية إلى جانب إحياء عملية السلام من خلال النافذة السعودية. أدت هذه السياقات والأسباب مجتمعة إلى معركة 7 تشرين الأول، التي تؤكد كل المعطيات التاريخية والميدانية والعسكرية، بأن ما قبل "طوفان الأقصى" ليس كما بعده.