الثلاثاء 19 كانون الاول , 2023 08:36

كيف تصدّع العقد الاجتماعي بين جيش الاحتلال والمستوطنين؟

تصادم بين المجتمع الإسرائيلي وقوات الأمن

 العقد الاجتماعي فكرة فلسفية سياسية تسعى إلى تحديد العلاقة المناسبة بين الأفراد في المجتمع، وبينهم وبين أصحاب القرار الرسمي. تم إنشاء العقد الاجتماعي الإسرائيلي شبه العسكري على مرتكزات أساسية، من ضمنها تحقيق الأمان والاستقرار والرفاهية ل"شعب إسرائيل"، بالمقابل على "المواطن" أن يذهب للعيش والعمل في الكيبوتسات والمستوطنات، للخدمة في الجيش، والقيام بواجب الاحتياط، والمساهمة في الصالح العام. فإذا لم يقم بهذه الأمور فقد أخطأ في حق "الدولة" وقيمها ومثلها، وفي حق نفسه في نهاية المطاف. وبالتالي، يقوم المواطنون بتجنيد أبنائهم وبناتهم في الجيش مقابل أن تبذل الدولة كل ما في وسعها لإعادتهم حال أسرهم، والدفاع عنهم وحمايتهم. فمن المشتركات التي يؤمن بها المواطنون اليهود في الكيان أن الدولة- بجيشها وشرطتها وأمنها- لا تتوانى في حماية كل فرد. إلا أنّ هذا العقد، بدأ بالتّصدّع تحت وطأة عملية طوفان الأقصى، إذ تسبّب تأخر استجابة جيش الاحتلال الإسرائيلي للخطر المحدق بالسكان بصدمة للإسرائيليين، وتهشّم على إثره العقد الاجتماعي الصلب الذي يقوم في أحد مظاهره على خدمة الإسرائيليين في الجيش مقابل الدفاع عنهم.

كيف تصدّع العقد الاجتماعي بين جيش الاحتلال والمستوطنين؟

- تعرض العقد الاجتماعي بين المستوطنين ودولتهم للكسر، جرّاء عملية الأسر التي حققتها حركة حماس، باعتراف زعيم المعارضة يائير لابيد، حيث أشار إلى أن العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة "مكسور" حتى تتم إعادة جميع الأسرى الإسرائيليين إلى وطنهم.

- تفسّخ هذا العقد عند إحساس المستوطنين خلال عملية طوفان الأقصى "بالضعف وتخلي الجيش الموثوق به عنهم" والذي يفتخر بالبراعة العسكرية وبتقنيات التكنولوجيا العالية، بالإضافة إلى استغاثة المستوطنين بالجيش لساعات من دون استجابة، فلم يجدوا من يرشدهم أو يمدهم بالدعم والمعلومات حول أسراهم. في هذا الصدد، كتبت البروفيسورة شارون مرغليوت - رابين، أستاذة الحقوق في كليّة "هاري رادزينر" للقانون في "جامعة رايخمان" أنه "حتى مساء الجمعة (ساعات قبل بدء طوفان الأقصى)، اعتقد معظم الإسرائيليين أنه إذا ما كانت حياتهم في خطر وطلبوا النجدة، فإن قوات الأمن أو الشرطة ستصل إليهم في غضون دقائق. اعتقدوا أنه سيكون هناك أحد ما إلى جانبهم في لحظات الرعب والخوف، وأنه مُحال أن يُتركوا لمواجهة مصيرهم من دون إجابات"، موضحةً في مقالة لها في صحيفة معاريف، أن ما تَقدّم هو جوهر "العقد الاجتماعي الإسرائيلي"، وكذلك جوهر "الأسطورة التي شُيّدت عبر مئات عمليات الإنقاذ البطولية على مدار 75 عاماً من وجودنا، داخل إسرائيل وخارجها".

- تهاوت الفرضية القائلة بأن احتلال الأراضي الفلسطينية يشكل شبكة أمان لكيان الاحتلال، بعد إغراق الكيان بشعور زائف بالأمان لسنوات طويلة.

- صعود اليمين الديني اجتماعياً وبشكل تدريجي، بالإضافة إلى هيمنتهم على الجيش وعلى المراكز السياسية العليا كالحكومة: أصبح عدد الضباط من الرتب المتوسطة والعالية من اليمين الديني في الجيش أكبر من ذي قبل، ويهيمن المستوطنون اليمينيون المتطرفون على الحكومة، يعكس ذلك السجال بين وجه "إسرائيل" الأكثر ليبرالية، الذي يعتقد أن حياة الإنسان والفرد هي الأولوية، والوجه الأكثر أصولية وتطرفاً. ويتجلى هذا السجال بين الإسرائيليين في الحملة التي تقودها عائلات الأسرى، والعديد منهم من مجتمعات الكيبوتسات (المستوطنات) ذات الميول اليسارية، ضد الحكومة. والسؤال الذي يُطرح هنا هل يستطيع الليبراليون والأصوليون المتطرفون الاستمرار في العيش في مجتمع واحد؟

 يبدو هذا العقد غير المكتوب بين أفراد "المجتمع اليهودي"، والذي تتم ترجمته في الموازنة العامة، وفي الخطاب السياسي والإعلامي، ومناهج التربية والتعليم، وبرامج الأحزاب السياسية، والتصورات التي تؤمن بها مختلف الفرق أو الجماعات الدينية. تتهدم أركانه ويسير نحو الانهيار نتيجة فقدان الثقة بالجيش والمؤسسات السياسية والرسمية التي لا تزال حتى اليوم، بعد مرور 74 يومًا على اندلاع الحرب مع فصائل المقاومة، عاجزة عن تحقيق أي صورة نصر تمكّن الكيان من الخروج من هذا المأزق والحفاظ على عقد اجتماعي قد مرّ عليه سنوات من الهزائم.


الكاتب: حسين شكرون




روزنامة المحور