نتيجة الانتهاكات التي يمارسها كيان الاحتلال من إبادة جماعية وجرائم حرب، قررت عدة دول وقف إمداداتها من الأسلحة والتجهيزات العسكرية إلى الكيان، ودعت بعض النخب السياسية والقانونية في هذه الدول إلى فرض حظر على مبيعات الأسلحة لـ"إسرائيل" بالإضافة إلى دعوات قانونية بحجة خرق قواعد القانون الدولي.
علاوة على السلطة الأخلاقية وتأثيرها على سلوك الدول والجهات الفاعلة داخلها بعد وصم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، والذي ظهر جلياً في الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 26 كانون الثاني الذي دان الكيان الإسرائيلي وثبت عليه ارتكابه لجريمة الإبادة الجماعية في غزة وانتهاك الاتفاقيات الدولية.
دعوات عالمية لحظر تسليح الكيان المؤقت
كانت أول قطعة دومينو تسقط من الدول الحليفة لكيان الاحتلال، والتي لم تتوقف عن دعمه عسكرياً ولوجستياً وسياسياً منذ نشأته، وهذا ما بدا غريباً ومفاجئاً، خصوصاً أمام ما نراه من تحشيد سياسي وعسكري في المنطقة والعالم. فقد دعا مئات السياسيين مؤخراً وفي نطاق 13 دولة من الدول المانحة أغلبيتها دول أوروبية إلى تعليق وفرض حظر على الأسلحة المصدرة إلى إسرائيل، معتبرين أنه إجراء ضروري لأسباب أخلاقية وقانونية. في لندن مثلاً وقّع أكثر من 134 عضواً في البرلمان البريطاني وأعضاء من مجلس اللوردات خطاباً إلى وزير الخارجية ديفيد كاميرون ووزيرة الأعمال والتجارة كيمي بادينوك، يدعون فيه الحكومة إلى فرض حظر على مبيعات الأسلحة لإسرائيل. وأكد الخطاب ضرورة اتخاذ إجراء فوري لتعليق تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
كما انتقد مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا ازدواجية المعايير الأميركية واتهم واشنطن بتعطيل دور مجلس الأمن، ودعا إلى فرض حظر السلاح على إسرائيل. أما داخل ألمانيا التي تعتبر من أبرز مصدري الأسلحة إلى إسرائيل (عام 2023 وافقت ألمانيا على تصدير أسلحة إلى إسرائيل بقيمة 353.70 مليون دولار) فقد رفع محامون دعوى قضائية عاجلة ضد الحكومة الألمانية، من أجل حملها على وقف صادرات الأسلحة إلى "إسرائيل". مستشهدين بأسباب تجعلهم يعتقدون أنّ هذه الأسلحة تُستخدم في غزة، "عبر طرائق تنتهك القانون الإنساني الدولي". وطالت مسألة تراجع التسليح بشكل مؤثّر من خلال المواقف الرسمية والاجراءات الدول التالية: بلجيكا، هولندا، كندا، اسبانيا، اليابان، ايرلندا، إيطاليا.
الدعم العسكري من الولايات المتحدة الأميركية
تقدم الولايات المتحدة للكيان الإسرائيلي مساعدات بقيمة 3.3 مليار دولار سنوياً، معظمها مساعدات عسكرية، بينما تم توفير تمويل أكبر منذ تشرين الأول 2023 للسماح لها بمواصلة حملة القصف الإجرامي على غزة، حيث قامت الولايات المتحدة بسرعة بتسليم آلاف القنابل والصواريخ الموجهة إلى "إسرائيل" وطائرات مقاتلة من طراز F-35، بالإضافة إلى معدات عسكرية أخرى. ووفقا لتقرير صدر عام 2023 عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يدرس الصراعات والأسلحة، فإن "69% من مشتريات إسرائيل من الأسلحة تأتي من شركات أمريكية، و30% من ألمانيا، و0.9% من إيطاليا (أعلنت إيطاليا في يناير/كانون الثاني أنها أوقفت الصادرات في بداية الحرب) ".
تشمل الأسلحة الرئيسية المصدّرة إلى إسرائيل 61 طائرة مقاتلة من الولايات المتحدة، وذكر تقرير معهد ستوكهولم أن مبيعات الولايات المتحدة من الطائرات المقاتلة "لإسرائيل" خلال العقود الأخيرة لعبت "دوراً رئيسياً في الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد حماس وحزب الله". إنّ جميع الطائرات المأهولة الحالية لدى القوات الجوية الإسرائيلية هي أمريكية الصنع، باستثناء طائرة هليكوبتر واحدة صنعتها شركة إيرباص هليكوبتر الفرنسية.
تعتبر الولايات المتحدة إلى حد بعيد أكبر ممول للجيش الإسرائيلي، وفي الوقت الحالي يناقش المشرعون الأمريكيون مبلغاً إضافياً قدره 14 مليار دولار لدعم عمليات تل أبيب في غزة. ضمن هذا السياق، دعا التقدميون في واشنطن، بمن فيهم السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز، إلى وقف صادرات الأسلحة إلى تل أبيب.
لكن في ظل العلاقة المتوترة بين نتنياهو وبايدن في الفترة الأخيرة، وما تخلل ذلك من احتمالية ابتزاز الأخير بقطع الأوكسجين عن إسرائيل، صرّح مسؤولون أمريكيون لصحيفة بوليتيكو في وقت سابق من الشهر أن الرئيس جو بايدن سيفكر في وضع شروط على المساعدات العسكرية المستقبلية لإسرائيل إذا مضت قدمًا في هجومها المخطط له ضد مدينة رفح في أقصى جنوب غزة. بناء على ذلك دعا وزير التراث الإسرائيلي "أميحاي إلياهو" في 20 آذار مارس 2024، حكومته إلى إنهاء اعتمادها على الأسلحة الأمريكية بما يسمح لها بالقتال لفترة طويلة دون الحاجة إلى دعم أمريكا، معتبراً المواجهة مع واشنطن أمراً لا مفر منه.
ختاماً، تجدر الإشارة إلى أن الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الإبادة الجماعية لعام 1948 ملزمة قانوناً بمنع وقوع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ولكن لا يزال العديد من الدول مستمر في دعم الكيان عسكرياً معتبرين أن ذلك يدخل في إطار الحق في الدفاع عن النفس، حتى ولو تجاوز هذا الدفاع القوانين الدولية ولم يراعِ قواعده.
الكاتب: غرفة التحرير