الجمعة 07 حزيران , 2024 09:48

انقسام الإصلاحيين يضعف حظوظهم الرئاسية

أبرز المنافسين للرئاسة الإيرانية (جليلي-قاليباف- لاريجاني-جهانكيري)

لا يخفى على المراقبين والمتخصصين في الشأن الإيراني ان للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في الثامن والعشرين من حزيران/ يونيو الحالي أهمية بالغة حيث إيران والمنطقة تعيش لحظة حساسة واستثنائية لا سيما بعد شهادة الرئيس السيد إبراهيم رئيسي ورفاقه في حادثة تحطم الطائرة في أذربيجان (19 أيار/مايو 2024) سواء على مستوى إدارة الشؤون التنفيذية في البلاد أو السياسة الخارجية، فإيران وحلفاؤها في محور المقاومة يخوضون مواجهة محتدمة مع الأميركي والإسرائيلي ومعهما الناتو والغرب الجماعي، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة ورفض رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو كل مبادرات وقف اطلاق النار، والتهديد الإسرائيلي بتوسيع الحرب مع لبنان الذي سيدفع بالتأكيد الى تطور أكبر في الموقف الإيراني قد يصل الى مستوى التدخل مباشرة حسب معلومات موثقة من مصادر مرتبطة بصناعة القرار وصُلب النظام في الجمهورية الإسلامية، كما أن الأميركيين أبلغوا قادة الكيان المؤقت بهذا المتغير.

الإيرانيون يتطلعون بشغف لانتخاب رئيس جديد

صحيح انه بعد شهادة السيد رئيسي استمرت إيران دولة المؤسسات والقانون في إدارة شؤون البلاد ولم يحدث أي خلل او اضطراب وكان ثمة سلاسة ومرونة في تطبيق الدستور سواء في موقع رئاسة الجمهورية او في وزارة الخارجية، الا ان الإيرانيين يتطلعون بشغف لانتخاب رئيس يملأ الفراغ الذي أحدثه غياب السيد رئيسي، في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها إيران والمنطقة.

هي لحظة حساسة ومهمة دون شك سيسعى فيها خصوم إيران وأعداؤها لاستغلالها ولم يخفوا ذلك سواء أمريكا أو إسرائيل او تلك المعارضة الإيرانية المرتبطة بأجندات خارجية وهي تتحين الفرص لافتعال أزمة جديدة مع النظام الإسلامي على غرار الأزمة والحرب التركيبية إثر وفاة المواطنة الإيرانية مهسا أميني في أيلول/ سبتمبر عام 2022.

وقد بدأنا نسمع أصوات هؤلاء المعارضين التي احتفلت بغياب السيد رئيسي، وهي تدعو الغرب لاستغلال هذه اللحظة، الغرب الذي لم يتأخر كثيراً فكان التقرير الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يُستخدم عادة كأداة ضغط سياسية للغرب الجماعي أو ما يعرف بالمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية ضد إيران لإجبارها على تقديم تنازلات للأميركي وحلفائه في ساحات الاشتباك في المنطقة.

مرشح الشعب الإيراني المفضّل شخصية تشبه السيد رئيسي

إن اللحظة الراهنة حيث تختلط فيها العواطف ومشاعر الشعب الإيراني بعد فقدانهم السيد رئيسي، وإحساسهم بحجم التحدي والخطر الذي يتهدد إيران من الخارج، تدفعهم للمشاركة بشغف على صناديق الاقتراع، وهم يتطلعون الى رئيس جديد يشبه السيد رئيسي ويحمل صفاته ومبادئه ويكمل نهجه، وطريقة إدارته لشؤون الناس والبلاد، حتى أولئك الذين لم يقترعوا للسيد الرئيسي باتوا على قناعة انه كان رئيساً مثالياً نموذجياً تنطبق عليه الصفة التي أطلقها عليه الإيرانيون "خادم الشعب".

مجلس صيانة الدستور والمفاجآت

هي أيام قليلة تفصلنا عن إعلان مجلس صيانة الدستور البت بأهلية المرشحين للرئاسة (الثلاثاء 11 حزيران) على أن تبدأ مباشرة الحملات الانتخابية مدة 15 يوماً وتتوقف في 27 حزيران/يونيو يوم الصمت الانتخابي، وبدأت تظهر بعض العناوين الرئيسية لهذه المنافسة التي ستكون حامية وحساسة، وأهمها استمرار نهج رئيسي في خدمة الشعب والتمسك بثوابت حكومته الثورية لجهة العناية الخاصة بالوضع المعيشي والاقتصادي للمواطنين في الداخل، والإدارة القوية للتهديدات والفرص التي تواجه إيران على مستوى الخارج، فيما تبقى الملفات الرئيسية، الموضوع النووي، والمواجهة مع الأميركيين، ودعم محور المقاومة ووحدة الساحات، وتنمية وتوسيع العلاقات السياسية والتجارية مع الدول العربية والخليجية.

لا يبدو  ان ثمة مفاجآت كبيرة ستخرج في قرارات مجلس صيانة الدستور، باستثناء أهلية ترشح الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد التي يبدو أنها ستُرفض مجدداً ، فهي عندما ترفض مرة كما حصل في الانتخابات الماضية لا يمكن أن تقبل مرة ثانية لا سيما وان الأسباب ما تزال قائمة ولم يحدث أي تبدل في مواقفه، أو تصريحاته وسلوكه الذي قال الإيرانيون أنه يشكل تهديداً للأمن القومي الإيراني سواء على مستوى الداخل، وفساد بعض المقربين منه ومحاكمتهم أمام القضاء، أو على مستوى الخارج من مواقف أضرّت بالسياسات والمصالح الإيرانية ومنها رفضه بوضوح ان تستجيب إيران لطلب سوريا مساعدة مستشارين عسكريين إيرانيين في الحرب على الإرهاب.

غياب رموز الإصلاحيين

اما الإصلاحيون الذين ما يزالون في سباتهم بعد النكسات التي أصيبوا بها وغياب رموزهم عن الساحة أمثال الشيخ حسن روحاني والسيد  محمد خاتمي ومير حسين موسوي وغيرهم فالانقسام واضح في صفوفهم، وقد عجزوا عن تسمية مرشحين أقوياء منافسين، أمثال وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف الذي عزف عن الترشح، فيما برز عنهم كل من إسحاق جهانكيري وعبد الناصر همتي وآخرون يُعتبرون في التصنيف من الصف الثاني في التيار ولا يحظون بشعبية أو محبوبية من جمهور الإصلاحيين، وقد جرت العادة في ايران يعرف ذلك أي مراقب متتبع دقيق للشأن الإيراني انه كل دورتين من 8 سنوات تكون لأحد التيارين المحافظ أو الاصلاحي، وهذه الدورة هي للمحافظين انقضى منها 3 سنوات فقط في حكومة السيد رئيسي، ذلك أن الشعب الايراني يعطي الفرصة دائماً لأي رئيس جديد ليجري عملية التغيير، ويعتقد أن دورة رئاسية واحدة من أربع سنوات لا تكفي لإحداث هذا التغيير.

هل ينسحب قاليباف لصالح جليلي؟

إن التنافس الجدي كما يبدو من المشهد الانتخابي الراهن ما لم يطرأ أي تغيير أو مفاجآت سينحصر بين كل من المرشحين سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف من التيار الأصولي المحافظ، والمرشح علي لاريجاني عن التيار المعتدل، إلا أن الأخير يفتقد الى الشعبية حيث قاعدته الجماهيرية محدودة، والتيار الإصلاحي لن يعطيه من أصوات ناخبيه.

إن ترشح عدة أسماء من التيار الأصولي هو تكتيك انتخابي تعتمده أغلب الكتل والتيارات السياسية في إيران، ولأن قاعدة المحافظين ستنقسم بين جليلي وقاليباف، لذا من المرجح جداً انسحاب أحدهما لحساب الآخر ذلك لتوحيد آراء الناخبين ولمنع الذهاب الى دورة انتخابية ثانية في حال عدم حصول أي منهما على الأصوات الكافية التي تؤهله للفوز بمنصب الرئاسة، ويرجح أن ينسحب قاليباف لصالح جليلي لا سيما وأن الأول تسلم قبل أيام رئاسة دورة جديدة لمجلس الشورى الإيراني، ويشغل موقعاً مهماً ومؤثراً في البلاد.

يبقى التحدي الأكبر والأكثر الأهمية ليس فقط من سيكون الرئيس القادم للجمهورية الإسلامية انما نسبة المشاركة في الانتخابات، ففي الوقت الذي يبدو أن انقسام الإصلاحيين على أنفسهم وشعورهم بعدم القدرة على المنافسة الجدّية سيضعف مشاركة ناخبيهم في الانتخابات يُظهر جمهور التيار الأصولي المحافظ وشرائح أخرى رمادية رغبة شديدة في انتخاب رئيس جديد نتيجة ما أشرنا إليه من أحداث وتحديات داخلية وخارجية تواجهها إيران، كما أن حادثة سقوط الطائرة الرئاسية وما تبعها من  ملابسات، ومن ثم التشييع المليوني غير المسبوق للشهيد السيد رئيسي ورفاقه، كل هذا يشي بأن نسبة المشاركة ستكون جيدة قد تتجاوز الـ53% حسب استطلاعات الرأي الأولية، بانتظار تبلور الأسماء النهائية للمرشحين وانطلاق حملاتهم الانتخابية التي أوصى فيها قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي المرشحين بعدم "التراشق بالاتهامات والتشهير" فيما بينهم.

وقد سجّل ثمانون مرشحاً أسماءهم في وزارة الداخلية بينهم 46 أصوليون محافظون، 13 إصلاحي، 3 معتدلين، 18 مستقلين، و 4 نساء. أما المرشحين المنافسين في المعركة الانتخابية لرئاسة الجمهورية في إيران هم:

- سعيد جليلي (أصولي محافظ / الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني وكبير المفاوضين النوويين).

-محمد باقر قاليباف (أصولي محافظ / رئيس مجلس الشورى الإسلامي الحالي).

-مسعود بزشكيان (إصلاحي /نائب حالي ووزير سابق في حكومة خاتمي ).

- أمير حسين قاضي زادة هاشمي ( أصولي محافظ / نائب سابق).

- علي رضا زاكاني (أصولي محافظ/ عمدة طهران، ونائب سابق في مجلس الشورى).

-مصطفى بور محمدي (أصولي محافظ / وزير العدل السابق).


الكاتب:

د. محمد شمص

-إعلامي وباحث سياسي.

- استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.

-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.

- مدير موقع الخنادق الالكتروني. 

[email protected]




روزنامة المحور