تخضع وسائل الإعلام الإسرائيلية لرقابة عسكرية تحدد ما يسمح بنشره وما يحظر بثّه، خاصة في الشؤون المتعلقة بجيش الاحتلال. فتبقى المعلومات محجوبة عن الجمهور الإسرائيلي. في حين يطلق المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري تصريحات، تُعد ضمن استراتيجية الكيان في التعتيم والتضليل على الرأي العام الإسرائيلي. وتطوّع الإعلام خدمة لمصالحها وأجندتها.
في هذا الإطار، نشرت صحيفة هآرتس العبرية مقالاً بعنوان " هناك من يفضل الكذب على الجمهور بدلاً من منع موت الجنود عبثاً". ينتقد فيه الكاتب بشكل لاذع الكذب الذي يمارس على الجمهور الإسرائيلي وتغيّب الحقائق حول أعداد القتلى الإسرائيليين وعبثية موتهم، وجهوزية جيش الاحتلال للحرب في الجبهة الشمالية.
النص المترجم للمقال
القاعدة الذهبية الإعلامية فيما يتعلق بجنود جيش الدفاع الإسرائيلي الذين يسقطون في المعارك في غزة تمنع القول إن موتهم لم يجلب فائدة أمنية عليا للدولة. كما تمنع القول إن موتهم لم يحفظ إسرائيل ومواطنيها من أعدائها، أو أنه كان له مغزى وطني، وقيمي ووجودي طويل الأمد. لا يُسمح باستخدام موتهم لمنع موت جنود آخرين عبثاً. يعني ذلك أن باسم الحساسية تجاه العائلات الثكلى، والاحترام للقتلى، والرسائل المشبعة بالاستعداد للتضحية التي تركوها وراءهم، والمعنويات الوطنية - لا يمكن قول الحقيقة للجمهور. يجب إخفاؤها عنه.
علاوة على ذلك، حتى فيما يتعلق بجاهزية الجيش الإسرائيلي للحرب في الشمال، واستمرار القتال في الجنوب، والإنجازات الحقيقية في ساحة المعركة - لا يمكن قول الحقيقة للجمهور. هذا هو الواجب الوطني. ولذلك اضطر كبار ضباط الجيش الإسرائيلي في الماضي والحاضر إلى تسريب لصحيفة نيويورك تايمز (التي أصبحت مصدراً ضرورياً للحقيقة بالنسبة للإسرائيليين) أن الجيش الإسرائيلي منهك، وأن القوات مرهقة، وأن هناك نقص في الذخيرة، وأن الجيش ليس مستعداً للحرب ضد حزب الله ويحتاج إلى وقت طويل للتعافي. وقت التعافي الذي يشمل وقف إطلاق نار طويل في غزة - حتى بثمن بقاء حماس. نشرت الأمر نفسه، نهاية الأسبوع، صحيفة "معاريف" المحلل العسكري لقناة 13، ألون بن دافيد. كتب بشكل صريح أن كبار ضباط الجيش الإسرائيلي لا يجرؤون على قول الحقيقة للجمهور.
لماذا؟ أليس من واجبهم منع موت الجنود عبثاً؟ على الأقل قاموا بالتسريب. هنا يدخل إلى المشهد كاشف الحقيقة اللواء المتقاعد يتسحاق بريك. وفقاً له، فإن "الناطق باسم الجيش الإسرائيلي يكذب، بشكل قاطع". الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، الذي تم تصويره في نشرات الأخبار كرمز للصدق والشفافية. هل أنت أيضاً يا جري، جزء من مؤامرة الكذب؟ وقال بريك إن "قادة الكتائب والألوية في الميدان، أخبروني أنه قتل عدد أقل بكثير من مقاتلي حماس مما أُعلن. وأن جميع القتلى تم استبدالهم بشباب من غزة. وأن 80% من الأنفاق لم يتم كشفها. وفقاً له، فإن "الجيش الإسرائيلي فشل، خسر في الحرب على غزة. هذا ما يقوله الجنرالات، وقادة الألوية والفرق في الميدان. "لن يقولوا لك ذلك"، أوضح لكيرين أوزن المذهول، "لن يقولوا ذلك علناً، لأن لديهم اعتبارات مهنية". في فيديو الرد على التقرير في نيويورك تايمز وعد نتنياهو بأن الحرب ستنتهي فقط بعد "القضاء على حماس". حسناً، لديه أيضاً اعتبارات مهنية. وفقاً لبريك (مرة أخرى، مدعوم ببن دافيد)، فإن قادة الجيش لا يريدون حرباً في الشمال لكن "لن يقولوا ذلك أمام الكاميرا". دولة كاملة في حرب تكذب على نفسها.
يموتون عبثاً. وفي الوقت نفسه، الكاتب البرلماني زئيف كايم لا يحب الحقيقة. عن أقوال بريك قال إنه حتى لو كان محقاً، فإن القول للمقاتلين "أنتم تموتون عبثاً... هذه رسالة رهيبة ومروعة... هذا تصريح غير لائق". الرسالة إشكالية، نعم؟ ليس مجرد موتهم عبثاً. كاتب يصرح علانية: الحقيقة لا تستحق أن تقال، من الأفضل الكذب على الجمهور عمداً. ليموتوا عبثاً، مرتاحين مع أنفسهم بالاعتقاد الكاذب أن موتهم كان له هدف سامٍ. يبدو أنه عندما يعظون مواطني إسرائيل "بأن يكونوا جديرين" بتضحية القتلى، يقصدون أنهم يكذبون على أنفسهم بإخلاص.
المصدر: هآرتس
الكاتب: الفر جاسوس