الخميس 22 آب , 2024 03:00

جيروزاليم بوست: هل تفقد أمريكا قبضتها على الشرق الأوسط؟

النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط

تستعرض دانييل دوتان في هذا المقال الذي نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية وترجمه موقع الخنادق، المؤشرات التي تدل بأن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تفقد سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط. مشيرةً إلى أنه بينما "تلعب" إسرائيل وإيران لعبة عالية المخاطر تتمثل في "من سيطرف عينيه أولاً"، فإن الخاسر الحقيقي في هذه المواجهة المرهقة للأعصاب قد تكون الولايات المتحدة فقط.

النص المترجم:

لسنوات عديدة، ارتدت الولايات المتحدة عباءة قوات حفظ السلام العالمية ومسؤولة إنفاذ النظام. لقد كان هذا الاعتقاد متأصلًا بعمق في السرد السياسي الأمريكي لدرجة أنه دفع الجيش الأمريكي بشكل متكرر إلى حروب لا علاقة لها بأمريكا نفسها، ناهيك عن أي تأثير مباشر على الأمة.

ولعل أبرز هذه الحروب حرب فيتنام المشؤومة، التي امتدت لأكثر من عشرين عاما، من عام 1955 إلى عام 1975. وكانت حرب فيتنام الشمالية الشيوعية، بدعم من الاتحاد السوفييتي والصين، ضد فيتنام الجنوبية والولايات المتحدة.

فمدفوعة بالخوف الهستيري من التوسع الشيوعي في جنوب شرق آسيا، دخلت الولايات المتحدة حربا لم تكن حربا لها، فخسرت عددا لا يمكن تصوره من جنودها ــ ما لا يقل عن 58220 جنديا.

وبعد عقدين من القتال الوحشي والمعارضة الشعبية المتزايدة، وافقت الولايات المتحدة أخيراً على سحب كافة قواتها. وفي وقت لاحق من العام نفسه، ذهب الكونغرس إلى أبعد من ذلك، حيث حظر جميع العمليات العسكرية الأمريكية في الهند الصينية.

وبالعودة إلى ما قبل ذلك بثمانية وثلاثين عاما، أي إلى عام 1917، عندما انجرفت الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الأولى. وهذه المرة، كانت النتيجة مختلفة: فقد خرجت الولايات المتحدة منتصرة بعد دخولها الصراع بعد ثلاث سنوات من بدايته.

وتكرر هذا النمط على مر السنين، مع تدخل الولايات المتحدة في العديد من الحروب والصراعات الأخرى، بما في ذلك حرب الخليج الأولى في عام 1990، في أعقاب غزو العراق للكويت، وحرب العراق في عام 2003، التي هدفت إلى الإطاحة بنظام صدام حسين، والتي أدت في نهاية المطاف إلى تمرد دائم.

هذه هي القوة الأميركية في العمل ــ وهي إحدى السمات المميزة التي جعلت الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم المسؤولة عن الحفاظ على النظام العالمي، أو على أقل تقدير، تقليل الضرر. فعندما تتصاعد التوترات بين الدول، تتدخل الولايات المتحدة عادة، وتشمر عن سواعدها، وتتدخل بسرعة، وتحاول الخروج بنفس السرعة، وبأقل الخسائر. وهي تتفوق في هذا، وربما أفضل من أي دولة أخرى.

ولكن ماذا يحدث عندما تكون هناك "حرب زائفة" (الحرب الزائفة هي صراع يمنح الحكومة كل فوائد الحرب ولكن القليل من المشاكل)، مثل الوضع الحالي بين إيران وإسرائيل؟ فماذا يفترض بالولايات المتحدة أن تفعل عندما يكون هناك توتر طويل الأمد مشؤوم، ولكن لا أحد يضغط على الزناد؟ ولا يترك هذا النسيان للولايات المتحدة أي وسيلة واضحة للتدخل لتأكيد هيمنتها. والأسوأ من ذلك أنه يشير إلى أن واشنطن ربما لم تعد القوة الحاسمة التي كانت عليها من قبل في الشرق الأوسط.

والسؤال الحاسم هو: هل تفقد الولايات المتحدة قبضتها على الشرق الأوسط؟

في الشهر الماضي، في 31 يوليو/تموز، بعد ساعات فقط من مقتل زعيم حماس إسماعيل هنية في عملية إسرائيلية في طهران، اعترف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن الولايات المتحدة لم تكن متورطة ولم تكن على علم بالعملية مسبقًا.

ويرمز هذا التصريح، بالنسبة للكثيرين، إلى فقدان السيطرة على العلاقة المعقدة والمتقلبة بشكل متزايد بين إيران وإسرائيل. وأثارت تساؤلات جدية، حول التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية لهذا الواقع.

وعندما تتصرف إسرائيل بشكل مستقل، دون تنسيق أو إشعار مسبق لواشنطن، فهذه علامة على أن الديناميكيات قد تغيرت. إن السياسة الخارجية الأميركية، التي كانت ترتكز ذات يوم على النفوذ والدبلوماسية، تبدو الآن أضعف ــ مما يشجع اللاعبين الإقليميين الآخرين على التصرف بشكل مستقل وزعزعة استقرار المشهد السياسي. وفي المقام الأول من الأهمية، قد يشير هذا إلى تآكل واضح للمكانة الدبلوماسية للولايات المتحدة باعتبارها الوسيط الرئيسي في الصراعات الجيوسياسية الحرجة.

كما تثير التطورات الأخيرة الشكوك حول موثوقية المعلومات الاستخباراتية التي تتلقاها الولايات المتحدة من حلفائها، وخاصة إسرائيل، على الرغم من العلاقات القوية والدائمة بين البلدين.

التداعيات الاقتصادية والأمنية لتراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط

إن الخسارة المحتملة لسيطرة الولايات المتحدة على الصراع الحاسم بين إسرائيل وإيران يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، وخاصة في أسواق الطاقة. وتسلط الأحداث الأخيرة الضوء على أهمية الاستقرار السياسي في المنطقة، والذي يؤثر بشكل مباشر على أسعار الطاقة وأسواق الأسهم والاقتصاد العالمي.

على الجبهة الأمنية، يمثل سعي إسرائيل للحكم الذاتي في عملياتها العسكرية في الشرق الأوسط تحديات كبيرة للولايات المتحدة، وقد تجد نفسها في مواجهة تصعيد غير متوقع أو صراع واسع النطاق بين البلدين.

كما أن الوضع الأمني ​​المضطرب في الشرق الأوسط يجبر الولايات المتحدة على حماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. وإذا ردت إيران بشكل أكثر عدوانية على العمليات العسكرية الإسرائيلية، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى التدخل عسكرياً أو دبلوماسياً لمنع نشوب صراع أوسع نطاقاً.

وتؤكد هذه العواقب الاقتصادية والأمنية الحاجة الملحة إلى قيام الولايات المتحدة بتطوير استراتيجيات دبلوماسية وأمنية جديدة للحفاظ على نفوذها واستقرارها الإقليمي. ويجب تصميم مثل هذه الاستراتيجيات بما يتوافق مع سيناريو "توازن الرعب" قبل اندلاع حرب شاملة.

توازن الرعب هذا هو وضع جديد وغير مألوف. إنه يدفع التوترات إلى ذروتها، مما يؤدي إلى إنهاك الدول والمواطنين والشركات والأسواق. وقد استمر بالفعل لفترة طويلة جدًا.

سيكون الحل الأميركي في هذا السيناريو معقداً على المستويين الاستراتيجي والدبلوماسي، وليس حلاً سهلاً. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: وهو أنه سوف يزود الولايات المتحدة بأدوات إضافية وأكثر مرونة في استراتيجية التدخل، وهي الأدوات التي يمكن استخدامها في المستقبل لسيناريوهات وسيطة مختلفة، وتحقيق التوازن بين السلام غير المستقر والصراع المتفجر.

لذا ربما حان الوقت لأن يتصرف صناع القرار في الحكومة الأمريكية وفق مبادئ نظرية الكم و"يفتحوا" باب الصندوق (الشرق الأوسط) من أجل تحديد الحالة النهائية للقطة (تمثل إسرائيل وإيران)؟!


المصدر: جيروزاليم بوست

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور