تعدّ الوحدة الصاروخية، هي الذراع الاستراتيجية للمقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، في الصراع مع الكيان المؤقت، كونها تؤمن ضرب عمق الكيان بالصواريخ، بما يجعلها فعلاً - خاصة الصواريخ الدقيقة والنقطوية - مكافئة الى حد ما لسلاح الجو الإسرائيلي، وهذا ما نظّر له خلال الأعوام السابقة من يوصف بأبو منظومة الاعتراض الصاروخي الإسرائيلي البروفيسور "عوزي روبين".
فهذه الوحدة بما تمتلكه من قدرات صاروخية متنوعة مثل صواريخ أرض – أرض تكتيكي، وصواريخ باليستية دقيقة، وكروز، وربما أيضاً صواريخ فرط صوتية، تؤمن القدرة للمقاومة على تهديد الكيان استراتيجياً وتكتيكياً. وتمثل الوحدة ركيزة الحزب لبأساسية في استراتيجيته الرادعة، ويعكس تطورها مسار تطوّر عقيدة الحزب العسكرية من حرب العصابات غير المتكافئة إلى قوة عسكرية هجينة أكثر هيكلية وقوة وتتشابه بالكثير من الصفات مع الجيوش الكلاسيكية. وكان لتطور هذه الوحدة آثاره الإستراتيجية الإقليمية أيضاً، بحيث باتت العديد من قوى ودول محور المقاومة تعتمد على هذا السلاح بشكل رئيسي في بناء قوتها العسكرية، من الجمهورية الإسلامية في إيران مروراً باليمن والعراق وسوريا، وصولاً الى فصائل المقاومة الفلسطينية.
مسار تطور الوحدة الصاروخية لحزب الله
منذ تأسيسه في الثمانينيات، تحول حزب الله إلى منظمة عسكرية قادرة على إجراء عمليات مستدامة ضد جيش تقليدي. وفي البداية، كانت قدراته الصاروخية محدودة بالقذائف قصيرة المدى غير الموجهة، لكن هذا بدأ يتغير في التسعينيات. وبمساعدة من الجمهورية الإسلامية في إيران في المقام الأول، وأيضاً من القوات المسلحة السورية، بدأ الحزب في الحصول على مجموعة من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى (حصل الحزب على صواريخ فجر قبل تحرير لبنان عام 2000)، مما أدى إلى تحويل ترسانته الصاروخية على مر السنين إلى واحدة من أهم الترسانات في المنطقة.
وقد ظهرت براعة حزب الله العملياتية بشكل ملحوظ في حرب تموز / يوليو عام 2006، والتي أطلق خلالها آلاف الصواريخ ضد الأهداف الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، ضمن معادلة: حيفا وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا.
لذلك تؤدي الوحدة الصاروخية عدة وظائف استراتيجية رئيسية:
1)تحقيق الردع ضد إسرائيل: من خلال التهديد بقصف أهداف مماثلة لما يقصفه جيش الاحتلال الإسرائيلي من أهداف داخل لبنان.
2)ميزة الحرب غير المتكافئة: بحيث يعمل مخزون الحزب من الصواريخ كمضاعف للقوة. ومن خلال الاعتماد على مواقع الإطلاق المتنقلة التي يسهل إخفاؤها وشبكة التخزين المنتشرة، يمكن لحزب الله أن يستمر في العمليات الصاروخية حتى في ظل الغارات الجوية الإسرائيلية (وهذا ما ظهر جلياً خلال معركة طوفان الأقصى).
3)التأثير النفسي والمعنوي: لا يمكن الاستهانة بالتأثير النفسي لصواريخ المقاومة على المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي، من خلال إطلاق صفارات الإنذارات وما بصاحبها من حالات هلع ووقوع إصابات، ومن خلال عمليات إخلاء المستوطنات في شمالي فلسطين المحتلة. فإن قدرة حزب الله على الحفاظ على هذا الضغط النفسي أمر حيوي لاستراتيجيته الشاملة، لأنه يمكن أن يضعف الروح المعنوية العامة في الكيان، ويضغط بشكل غير مباشر على صناع القرار الإسرائيليين.
القدرات الصاروخية
يُقدر اليوم بأن الوحدة الصاروخية للحزب لديها عشرات الآلاف من الصواريخ (متوسطة وبعيدة المدى وفق قياس حركات المقاومة)، أمّا الصواريخ قصيرة المدى فالأرجح أن تكون من اختصاص الوحدة المدفعية.
وأبرز هذه الصواريخ:
_الصواريخ متوسطة المدى مثل فادي 1و2و3:
تتميز هذه الفئة من الصواريخ بقدراتها التفجيرية وفعاليتها ضد المواقع المحصنة والتجمعات الكبيرة للقوات المستهدفة، وتستخدم في القصف المكثف لإرباك أنظمة الدفاع الجوي ولتعطيل خطوط الإمداد واستهداف القواعد البعيدة عن الخطوط الأمامية، ويمكن اطلاقها من مرابض متحركة أو ثابتة، في مديات تبدأ من 70 كلم حتى 100 كلم.
وقد يكون هناك نسخ من هذه الصواريخ دقيقة التوجيه، كما يمكن أن يكون هناك نسخ منه ذات رأس حربي ثيرموباريك (فراغي)، ما يجعل تأثيراته أشد تدميراً.
_الصواريخ بعيدة المدى: تتضمن ترسانة حزب الله صواريخ بعيدة المدى، مثل زلزال-2 (بمدى تقريبي يبلغ 200 كيلومتر) وفاتح-110 (القادرة على الوصول إلى 300 كيلومتر أو أكثر). يمكن لهذه الصواريخ نظريًا الوصول إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك منطقة غوش دان المهمة جداً للكيان. وتعد عائلة صواريخ فاتح-110 هي الأبرز في هذه الترسانة، بسبب دقتها العالية مقارنة بالصواريخ الأخرى، مما يوفر للمقاومة الإسلامية اللبنانية القدرة على استهداف البنية التحتية الحيوية للكيان، مثل القواعد الجوية ومحطات الطاقة.
_الصواريخ الدقيقة: أحد أهم التطورات الأخيرة هو وصول حزب الله إلى تكنولوجيا الصواريخ الدقيقة، بما في ذلك الصواريخ الموجهة عبر نظام تحديد المواقع العالمي (وفقاً لتقديرات العديد من الخبراء العسكريين في العالم). وتشكّل هذه الصواريخ الدقيقة والنقطوية تطوراً كبيرًا في القدرة، حيث يمكن استخدامها لاستهداف أصول عسكرية واقتصادية محددة بدقة أكبر. ومن أبرز الأمثلة على هذه الصواريخ: قادر 1 و2 ونصر 1 و2.
_صواريخ كروز: من المرجّح جداً أن يمتلك الحزب صواريخ كروز تكون متخصصة بالعديد من المهام أبرزها التشويش على منظومات الاعتراض وإلهائها واستنزافها، والثانية إصابة أهداف عسكرية حساسة ذات حماية جوية مشدّدة.
_ صواريخ فرط صوتية: لا يستبعد إطلاقاً، امتلاك المقاومة كغيرها من جهات محور المقاومة، صواريخ فرط صوتية قادرة على تخطي أغلب منظومات جيش الاحتلال الإسرائيلي الدفاعية الجوية والاعتراضية الصاروخية، من خلال سرعاتها التي تفوق 5 أضعاف سرعة الصوت ومن خلال قدراتها على المناورة بمسار غير باليستي.
تكتيكات واستراتيجية الوحدة الصاروخية
طورت هذه الوحدة مجموعة من التكتيكات التي تزيد من فعالية ترسانتها الصاروخية:
1)مواقع الإطلاق اللامركزية: تدير هذه الوحدة شبكة من مواقع الإطلاق اللامركزية، والتي غالبًا ما تكون مخفية ويصعب على الاحتلال عملية كشفها واستهدافها. وقد أثبتت هذه المواقع المتفرقة انه من الصعب على سلاح الجو الإسرائيلي تحييد قدرة حزب الله الصاروخية في المراحل الأولى من الصراع (كما حصل خلال العدوان الجوي الواسع ضد لبنان في منتصف أيلول / سبتمبر 2024 حيث لم تستطع إسرائيل توجيه ضربة قاصمة لهذه الوحدة التي استطاعت استكمال عمليات القصف رغم التفوق الجوي الإسرائيلي وعشرات الأحزمة النارية).
2)اعتماد المنشآت الصاروخية تحت أرضية: وهذا ما كشفت عنه المقاومة لأول مرة خلال العام 2024، من خلال مقطع مصور نشره الإعلام الحربي فيها لمنشأة عماد 4 تحت عنوان: جبالنا خزائننا. فهذه المنشآت تؤمن الحماية لقدرات هذه الوحدة، حتى لو تم استهداف المناطق التي تتواجد فيها بمئات الغارات الجوية، وبواسطة أشد الصواريخ والقذائف والقنابل قدرة على اختراق التحصينات.
3)هجمات الصواريخ والقذائف وفق تكتيكات التشبع: يتم إطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ والقذائف في فترة قصيرة، وباتجاهات مختلفة، وهذا يرهق الأنظمة الدفاعية مثل القبة الحديدية، مما يزيد من فرص اختراق الدفاعات وإلحاق الضرر بالأهداف.
الكاتب: غرفة التحرير