السبت 16 تشرين ثاني , 2024 12:15

المقاومة تستغل التضاريس الصعبة وتجبر قوات الاحتلال على التراجع من شمع

المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان

يربط الخطاب الرسمي والإعلامي الإسرائيلي المسار العسكري في لبنان مع التطورات السياسية، فبعد مزاعم تقدّم المفاوضات واقتراب التسوية السياسية، عاد الصحافيون في تل أبيب، ليتحدثوا عن نقاط خلافية في الاتفاق، والحاجة إلى "ضغط عسكري إضافي" على حزب الله.

وبينما سلّط الإعلام العبري الضوء على إطلاق الجيش الإسرائيلي المرحلة الثانية لـ"المناورة البرية" بجنوب لبنان، واستخدمت بعض وسائل الإعلام تعبير "تعميق" العملية البرية لتشمل قرى لبنانية جديدة. جاء الترويج لتوسعة التوغل بعد الحديث عن أن نحو 200 قرية لبنانية لم تدخلها القوات الإسرائيلية، وأن رشقات صاروخية انطلقت أخيراً من بلدات لم يتم التوغل فيها.

وأبرَزَ الإعلام العبري هدفين لتعميق العملية البرية، الهدف الأول عسكري يتمثل بالبحث عن منصات جاهزة لإطلاق صواريخ، وأسلحة، ومبانٍ "تستخدمها" المقاومة. أما الهدف الثاني، فهو سياسي، ومفاده ممارسة ضغط إضافي على حزب الله؛ لدفعه إلى "القبول" باتفاق يتضمن شروطاً جديدة.

والواقع أن الكيان الإسرائيلي روّج لتوسيع عملياته البرية أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة، لكن قواته لم تتعمق فعلياً أكثر من 3 كيلومترات من الحدود.

وبالنسبة لارتفاع وتيرة هجمات حزب الله، التي وصفها الإعلام العبري، بـ"موجة تصعيد في الشمال"، مع الإشارة إلى "رشقات صاروخية ومسيّرات وصافرات إنذار بلا توقف في الشمال". رأى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، أنه إذا استمر القتال على الجبهة الشمالية، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى "الاقتصاد أكثر" في استخدام الذخائر، كما أن ظروف الشتاء ستجعل القتال أصعب. ووفق هرئيل، تحاول حكومة نتنياهو تعويد الإسرائيليين على الحرب، لكنه قال إن التقارير اليومية عن القتلى ليست "ثمناً طبيعياً".

الوضعية العامة: الجمعة 15-11-2024

تصدّت المقاومة للقوات المتوغّلة داخل الأراضي اللبنانية يوم أمس، فيما شنّت عدداً من الهجمات النوعية في عمق فلسطين المحتلة، واستهدفت تجمّعات لقوات العدو في المستوطنات القريبة من الحدود.

المحور الأول (منطقة عمليات الفرقة 146):

بعد التعثر الذي واجهه العدو أمس في طير حرفا نتيجة للهجوم (ضد التضاريس) من الجهة الجنوبية الغربية الذي شنه لبلوغ أعلى نقطة في المنطقة وهي مقام شمعون الصفا في بلدة شمع. أعاد العدو الكرة من نقطة اعتبرها ضعيفة في بلدة الجبين باتجاه مثلث (الجبين – طير حرفا – شمع) وشن توغلاً ليلياً (صامتاً) من ثلاث اتجاهات استخدم فيه استعدادات من اللواء الـ 646 المظلي ولواء المشاة الثاني واللواء المدرع 205.  وقد بلغت هذه الاستعدادات 9 سرايا مختلطة (مظليين – مشاة – دروع) وزج بثلاث منها باتجاه مسار الهجوم الأول وهو الرئيسي، انطلاقاً من بلدة أم التوت مروراً بالجبين والأطراف الشمالية الشرقية لبلدة طير حرفا وصولاً إلى المقام الذي يقع على الطرف الشمالي الشرقي لقرية شمع. وسيّر العدو في اتجاه آخر دوريات تأمين من أطراف طيرحرفا الشمالية الغربية باتجاه وادي جميجيم الذي قد تكون قيادة العدو اختارته نقطة للانسحاب بحال تعرضت لمشاكل ولم تتمكن من تحقيق هدفها في شمع.

 قرابة الساعة 7:30 صباحاً بلغت سرية من اللواء 646 المظلي محيط المقام، وتباعاً بدأت القوات المخصصة لاحتلال المقام ومحيطه من السرايا الاخرى بالاقتراب وكانت تنفذ عملية الاقتراب بطريقة حذرة، حيث تقوم كل سرية بارسال فصيل استطلاع وكشف وبعد تأكيد خلو المسار من العبوات والمجاهدين كانت السرية تتقدم ولدى وصول المجموع إلى ما يوازي السريتين (كوماندوس ومشاة) تقدمت فصيلة دبابات من اللواء 205 المدرع بغرض الاستطلاع وفور وصولها لنقطة المكمن حوالي الساعة 12:00 عاجلتها المقاومة بصاروخ موجه أدى إلى إحراقها. عندها فتحت كل المجموعات والفصائل المكلفة بالدفاع عن تلك البقعة نيرانها بما فيها القوات التي انتشرت في منطقة المقام وباقي القوة التي أبقاها العدو الحذر بعيدة عن باقي استعداده البالغ (6 سرايا) والذي كان هدفه استكمال التقدم بعد احتلال السرايا الثلاث الأخرى المتقدمة وتأمين شمع باتجاه البياضة ثم التحرك نزولاً باتجاه طريق عام الناقورة صور. تمكن المجاهدون من حصر إحدى الفصائل المهاجمة في المقام واستهدفوا القوة المتجحفلة في مثلث (الجبين – طيرحرفا – شمع) وتقدم المجاهدون بتمشيط ناري بزاوية 270 درجة.

ومع الالتحام الأول، فقد العدو قائد القوة وجندي فتم طلب النجدة من القوات الباقية التي لم تستطع الوصول إلا في حدود الثالثة بعد الظهر، حيث بلغ مجموع قتلى العدو 5 قتلى ولدى اقتراب دبابة ثانية لمحاولة اجلاء الجرحى جرى استهدافها بصاروخ موجه واعطابها، وفور تأمين القوة الكافية عند الرابعة بعد الظهر، انسحبت كل القوة إلى المثلث شرقاً وإلى وادي جميجيم في الجنوب الغربي بطريقة فوضوية زادها صعوبة الانحدار الشديد للعارض الذي تقع عليه شمع باتجاه أطراف طيرحرفا الغربية.  كل ذلك كان يحدث في ظل غارات مكثفة لبلدتي مجدل زون والمنصوري وطيرحرفا. عند الساعة الخامسة بعد الظهر، انسحبت باقي القوة التي لم تشترك في المعركة باتجاه إم التوت مرة أخرى فيما القوة التي تعرضت للقتال في شمع فجرى اجلاؤها تحت غطاء كثيف من القصف إلى الضهيرة.

المحور الثاني (منطقة عمليات الفرقة 36):

بعد استحالة تأمين خرق مجد وفاعل من أطراف بنت جبيل وعيناتا الشرقية ومن حي المسلخ، ينفذ العدو مناورة التفافية باتجاه شمال عيناتا (منطق المشاع) يبدو أن هدفها المناورة غرباً باتجاه الطريق الواصلة بين كونين وبنت جبيل ويهدف العدو من هذه المناورة الوصول إلى ساحة الاستشهادي صلاح غندور ثم إرسال قوة أخرى غرباً باتجاه مدارس الامام المهدي (عج) للسيطرة على جزء من الطريق الواصل بين ساحة الاستشهادي وعين إبل وذلك لعزل بنت جبيل. ويبدو أن العدو يعد لإدخال الدروع تمهيداً لأخذ (صورة نصره) في ملعب عباس في بنت جبيل والتي يرجح بقوة أن تكون صورة انكساره، حيث أن المقاومة اعدت عدتها لإعادة تنفيذ مجزرة دبابات جديدة بين يارون وبنت جبيل مشابهة لمجزرة دبابات وادي الحجير. 

المحور الثالث (منطقة مسؤولية الفرقة 91)

دون تسجيل اي اشتباكات كبيرة على المحور الثاني (العباد – حولا) حاول استعداد كبير من الفرقة 91 التوغل من شرق مركبا باتجاه طلوسة فجرى صده بالأسلحة المناسبة سبع مرات حتى إعداد هذا التقرير.  ويبدو أن العدو سيعزز قواته لإعادة المحاولة للمرة الثامنة. ويبدو أن تحريك محور مركبا – طلوسة هدفه جذب استعدادات من المقاومة من أجل اضعاف الدفاع عن محوري رب ثلاثين والطيبة مما يسهل تنفيذ مناورات هجومية جديدة باتجاه رب ثلاثين والطيبة، حيث أن الفرقة 98 لم تنسحب بعد من منطقة مسؤولية القيادة الشمالية وهي قريبة من منطقة انتشار الفرقة 91 التي تم تطعيمها بثلاث ألوية من الفرقة 98 وهي لواء الكوماندوس (89) ولواء المظليين (35). وتبين أن اللواء (55) كوماندوس احتياط تم تطعيمه بالفرقة 91، ويؤشر ذلك إلى أن العدو يطبق اجراءً خداعياً هدفه الايحاء بأنه سحب فرقة كاملة ولكن الحقيقة أنه وضع الفرقة 98 في وضع تأميني خلف الفرقة 91. وهذا مؤشر إلى أن العدو ينتظر حدوث ثغرة أو خلل في دفاعات المقاومة في اي نقطة من (كفركلا إلى حولا) لينقض بفرقتين عميقاً باتجاه الشمال.

المحور الرابع: (منطقة مسؤولية الفرقة 210)

ثمة تحرك لافت في منطقة عمرا (غرب الوزاني) على البوابة الفاصلة بين لبنان وفلسطين ويتمثل بحركة آليات ودروع وتجمع قوات لا زالت تتخذ شكل انتشار تأميني. يحتاج هذا التحرك إلى بعض الوقت ليتبلور، وينبغي الحذر منه بسبب السابقة التي انطلق فيها العدو من بوابة عمرا قبل أسبوعين باتجاه تلة الحمامص، عند بدء عمليته الهجومية على مدينة الخيام. وقد قامت المقاومة اليوم باستهداف هذه التحركات عدة مرات، كما استهدفت مستعمرة كفر يوفال الملاصقة بعدة صليات صاروخية. 

ملاحظات واستنتاجات:

- تعتمد المقاومة على استراتيجية دفاعية فعالة، تستغل التضاريس وتكتيكات الكمين بمهارة. 

- تنسيق جيد بين وحدات المقاومة في تنفيذ الكمائن والعمليات الدفاعية.

- نجاح كمين شمع يُظهر قدرة المقاومة على اختيار مواقع مناسبة للكمائن، واستخدام الصواريخ الموجهة بدقة لتدمير الدبابات وإلحاق الخسائر بالعدو.  

- استغلت المقاومة التضاريس الصعبة في شمع لصالحها لإعاقة تقدم العدو وتسهيل انسحابه الفوضوي.

- تكيفت المقاومة سريعاً مع مناورة الالتفاف الجديدة باتجاه شمال شرق عيناتا وهذا يُظهر قدرتها على قراءة ساحة المعركة والتكيف مع تغيرات الوضع بسهولة وسلاسة.

ختاماً، يظهر من تحليل العمليات الذي بلغ يوم أمس 31 عملية أن استراتيجية للمقاومة متعددة الأبعاد، تجمع بين ردع التوغل البري على الحدود وضرب أهداف استراتيجية في العمق الإسرائيلي. وكثافة العمليات وتنوعها في مختلف البقع الجغرافية، يشيران إلى جاهزية عالية وقدرة متطورة على إدارة المواجهة وتوجيه الضربات المناسبة في الوقت المناسب ولتحقيق أهداف محددة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور