بعد نحو سبعة أشهر من اندلاع الحرب بين روسيا والغرب في أوكرانيا، بدأت تظهر الانقلابات والتحولات الجوهرية في طبيعة النظام الدولي وموازين القوى. بحسب التقديرات، من المتوقع أن هذه الحرب ستمتدّ على سنوات طويلة، سينشب خلالها معارك فرعية من نوع حروب الطاقة والأنابيب وحروب العقوبات المتبادلة وحروب المعلومات بالإضافة إلى حروب النفوذ والسيطرة حتى تنجو كل دولة بنفسها.
للمفارقة أن أول المتضررين هو الاتحاد الأوروبي، الذي يُتوقّع أن يلاقي مصيرًا مشابهًا للاتحاد السوفياتي كما عبّر رئيس وزراء هنغاريا. فما الذي يحصل في أوروبا؟
رئيسة وزراء إيطاليا المنتخبة: فكر فاشي
في أيلول/ سبتمبر الماضي، دقت إيطاليا أول مسمار في نعش الاتحاد الأوروبي بانتخاب ائتلاف يميني متشدد بقيادة جيورجيا ميلوني، صاحبة السجلّ الطويل في انتقاد الاتحاد الأوروبي والمصرفيين الدوليين والمهاجرين، أثار هذا التحوّل في السياسة الإيطالية القلق بشأن مصداقية الايطاليين في التحالف الغربي. ميلوني التي تعلق صورة موسوليني في مكتبها، هي زعيمة الإخوان الإيطاليين الوطنيين، وهو حزب ينحدر من فلول الفاشية، وعلى الرغم من أنه الأقل شعبية في إيطاليا، إلا أن الشعب الإيطالي يراهن على أن هذه السيدة ستخلّصه من الحرب. ومن المتوقع أن يكون لها فضل في خلافات كثيرة في الاتحاد الأوروبي، وفي انسحاب إيطاليا من دعم أوكرانيا، خاصة أن زميلها الذي أتى معها في التحالف، هو بيرلسكوني، صديق بوتين الذي يتبادل معه الرسائل والهدايا.
بريطانيا تسقط حكومتين في شهرين
بريطانيا التي رأت نفسها أكبر من الاتحاد الأوروبي فقررت الانسحاب منه، لم تتوقع جائحة الكورونا وتداعياتها الاقتصادية، تمامًا كما لم تتوقع الحرب مع روسيا التي قضت على ما تبقى من الاقتصاد البريطاني.
بعد بوريس جونسون الذي أسقطه الشعب البريطاني من خلال نشر فضائحه، سقطت ليز تراس التي نجحت بزيادة التضخم والركود الاقتصادي بشكل لافت خلال 45 يومًا، ثم استقالت بعد أن خسر بنك إنكلترا 76 مليار جينية إسترليني. وعلى الرغم من التفاؤل الكبير بالرئيس العتيد ريتشي سوناك صاحب خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي ومهندسها، إلا أنه ليس من المتوقع أن يفعل الكثير للاقتصاد البريطاني المدمّر، والجدير ذكره، أنّ ثمة مظاهرات في بريطانيا تدعو إلى العودة إلى الاتحاد الأوروبي.
ماكرون هو التالي
يواجه الرئيس الفرنسي موجة إضرابات واحتجاجات واسعة مع ظهور أزمة ارتفاع الأسعار والتضخم في الاقتصاد الفرنسي. اضطرته في الفترة السابقة إلى إجبار العمال للعودة إلى العمل لتخفيف شح الوقود الناجم عن تحرّكهم. ومظاهرات أخرى تطلب إخراج فرنسا من الناتو والاتحاد الأوروبي.
بالطبع سيتمّ استخدام هذه المظاهرات سياسيًا لإسقاط ماكرون الذي لا يملك أغلبية في البرلمان. وهو بدوره بدأ بالتذمر من الأمريكيين الذين يبيعونه الغاز بأضعاف سعره داخل الولايات المتحدة، كما بدأ يتحدّث عن فرص سلام في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. إنه يريد إنقاذ نفسه.
احتجاجات ضد الزعماء الموالين للغرب في مولدوفا
تواجه رئيسة وزراء مولدوفا احتجاجات مناهضة استنكارًا على الزعماء الموالين للغرب، مطالبين رئيسة الوزراء الموالية للغرب مايا ساندو وحكوماتها بالاستقالة. هذه المظاهرات مستمرة منذ شهر أيلول الماضي بسبب التضخم وارتفاع أسعار الوقود، وعلى الرغم من محاولات الشرطة إخلاء المخيمات، إلا أنه يتم نصب مخيمات أخرى.
وأخيرًا
حتى في ألمانيا التي تملك أكبر اقتصاد في أوروبا، والتي كانت تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي الرخيص من روسيا، يقوض التضخم المرتفع الذي تغذيه أسعار الغاز الطبيعي قوة تسعير المستهلك ويفرض تكاليف باهظة على الشركات. وعليه تخرج الاحتجاجات يوميًا لوقف إرسال الإمدادات للجيش الأوكراني.
كل ما ورد أعلاه حصل في شهر واحد، ومن المتوقع أن وتيرة إسقاط الرؤساء ستكون أسرع في الشهر القادم، خاصة أن الاتحاد الأوروبي مصرّ على أن يتعامل مع أوكرانيا كما لو أنها عضو فيه، تماما كما يتعامل الناتو معها. ويتعامل كلاهما مع هذه الحرب كما لو أنها حربهم بشكل مباشر. وأما تداعيات الضغوط الناجمة عن هذا التعامل، فهي في الواقع انتحار.
الكاتب: زينب عقيل