ليست ظاهرة "الهجرة العكسية" بالجديدة بالنسبة لكيان الاحتلال، على الرغم من العديد من الإجراءات والمغريات التي قدمتها الحكومات المتعاقبة للمستوطنين من أجل بقائهم في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. فالتهديدات وانعدام الشعور بالأمن، الذي خلقته المقاومة على الجبهتين الشمالية والجنوبية، كانت كفيلة للإطاحة بـ "جهود" المستوى السياسي. تعود هذه الظاهرة الى الواجهة اليوم، مع استمرار أزمة الانقسامات الداخلية بين مكوّنات الكيان، وتعمّق الشرخ بين أطرافه، بما يهدّد بتفكك "المجتمع" اليهودي و"إسرائيل".
25% من المستوطنين يفكرون بالهجرة
وفقًا لنتائج استطلاع للرأي أجرته إذاعة الاحتلال الرسمية "كان"، فإن أكثر من 25% من اليهود البالغين (فوق 18 عامًا)، يفكرون جديًا بالهجرة من فلسطين المحتلّة، في حين شرع 6% بإجراءات عملية للهجرة. يعزو استطلاع الرأي أسباب الهجرة العكسية الى "تغلغل نفوذ الأحزاب الحريدية والتيار اليميني الديني لمفاصل الحكم، والإصلاحات بالجهاز القضائي التي يراها بعضٌ ممّن شملهم الاستطلاع انقلابا على الديمقراطية ونظام الحكم". وتعمل منذ العام الماضي جمعيات، مثل " لنغادر معًا" على حشد أكبر عدد من المهاجرين من الكيان.
على الرغم من استغلال المستوى السياسي للاحتلال للحرب في أوكرانيا من أجل استجلاب مزيد من المستوطنين اليهود، فإنّ القلق لدى الأوساط الإسرائيلية لا يزال من انخفاض بنسبة 42% في أعداد "المهاجرين".
غادر 16500 مستوطن مطلع العام 2021 أراضي فلسطين المحتلّة، لـ "يستقرّوا في الخارج بصورة رسمية"، حسب "وزارة الاستيعاب والمهجرين" في حكومة الاحتلال. وقد تراجعت "الأغلبية اليهودية" بنسبة 1% في العام 2019.
بلغ عدد "المهاجرين اليهود" من الأراضي الفلسطينية المحتلّة إلى خارجها 756 ألفًا، في نهاية عام 2020. وعلّقت صحيفة "معاريف" أن "هذه الهجرة العكسية تحيي مخاوف إسرائيلية قديمة من تأثر أعداد اليهود الملتحقين في صفوف الجيش، فضلا عن كون المسألة قد تحمل في طياتها، ولو بصورة غير واضحة حتى الآن، فكرة التخلي عن إسرائيل". ولفتت الى أن هذه الأعداد تعيد للأذهان ظاهرة مشابهة، وقعت في العام 1990 "حين غادر الدولة 14200 يهودي بسبب تدهور الوضع الأمني الناجم عن انتفاضة الحجارة التي اندلعت في 1987".
كما اعتبرت الصحيفة أن "أسباب الهجرة العكسية لليهود تتباين من فترة لأخرى، أهمها الأوضاع الأمنية المتدهورة خاصة خلال انتفاضتي 1987 و2000، كما أن بعض مهاجري الاتحاد السوفيتي السابق لم يجدوا مكانهم في المجتمع الإسرائيلي، مما دفعهم بعد حصولهم على جواز السفر الإسرائيلي للبحث عن بلدان أخرى مثل كندا، وكأن إسرائيل بالنسبة لهم مجرد محطة عبور".
بدورها، أحصت "الدائرة المركزية للإحصاء الإسرائيلي" هجرة نحو 120 ألف مستوطن بين الأعوام 2006 و2009 على خلفية المواجهات مع لبنان وقطاع غزّة.
ازدياد الطلب على جواز سفر آخر
بعد تولي هذه الحكومة الحالية الحكم، والتي تعتبر الأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان، ارتفع طلب الإسرائيليين للحصول على "جنسيات أجنبية" خاصة من أوروبا وأميركا بنسبة 20%. وسُجِّل أعلى معدل لتقديم "الاسرائيليين" على الجنسية الفرنسية، بزيادة نسبتها 13%. وسجَّلت السلطات في البرتغال زيادة 68% في طلبات الجنسية من إسرائيليين، امّا السلطات البولندية والألمانية فلاحظت زيادة بنسبة 10% في الطلبات في الشهرين الأخيرين من العام 2022. برزت ظاهرة الحصول على جواز سفر ثانٍ في العام 2013 أيضًا، اذ وجد معهد "تراث مناحيم بيغن" أن 50% من المستوطنين "توجهوا أو لديهم توجه للحصول على جواز سفر".
ظاهرة "هروب الأدمغة"
أشارت "دائرة الإحصاء الإسرائيلية" الى ظاهرة "هروب الأدمغة" والتي ارتفعت في العام 2013 بنسبة 26%. وكانت قد بدأت هذه الظاهرة في العام 2006، حسب دراسة لكلية الاقتصاد في "الجامعة العبرية في القدس"، فإنّ هجرة حملة مستوى "البروفيسور"، تصل إلى %6.55، يتبعهم الأطباء بنسبة 4.8% والمهندسون والباحثون بـ 3%، وتبيّن أنّ 2.6% من مجمل اليهود المتزوجين والمتعلمين ما بين سن 25 عامًا إلى 40 عامًا يغادرون "إسرائيل". وقد كشفت الدراسة أنّ نسبة الهجرة ترتفع بشكل متطرد مع ارتفاع سنوات التعليم.
الكاتب: غرفة التحرير