الثلاثاء 14 أيار , 2024 04:45

معركة طوفان الأقصى تؤكّد: الاستنزاف هو جوهر الحرب غير المتناظرة

مقاوم فلسطيني في نفق بمقابل أحد الجمود الإسرائيليين

لطالما كان العلماء والخبراء العسكريون يحذّرون من حروب الاستنزاف، وأن على القوى العسكرية (خاصةً الكلاسيكية)، تجنّب هذا النوع من الحروب، لأنها ستكون وبالاً عليها، من خلال تكبيدها كافة أنواع الخسائر الباهظة، على المدى الأوسع للصراع، دون القدرة على الفكاك من هذا المأزق، إلا بإعلان واضح عن الهزيمة. فكيف سيكون حال الاستنزاف في الحرب غير المتناظرة (الصراع العسكري بين دول وجماعات ذات قدرات واستراتيجيات عسكرية متباينة)، لا سيما إذا كان الخصم هو مقاومة تحرير، ذات بيئة شعبية حاضنة وأبعاد وطنية وعقائدية صلبة، كما هي حال حركات وقوى ودول محور المقاومة؟

فخلال معركة طوفان الأقصى، وقع الكيان المؤقت الذي يتمتع بأقصى الإمكانيات والقدرات العسكرية، والمدعوم بأوسع دعم معنوي ومادي من معسكر دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية (تعتبر أمريكا شريكة وليست داعمة فقط)، في مأزق كبير لا يمكن له الخروج منه إلا بهزيمة استراتيجية واضحة، جراء حرب الاستنزاف التي شنها ضدّه محور المقاومة بمختلف جبهاته، وأولها جبهة المقاومة الفلسطينية في غزة.

وهذا ما ألقى عليه الضوء، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال خطابه بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة لاستشهاد القائد الجهادي الكبير السيد مصطفى بدرالدين، حين بيّن حال إسرائيل خلال هذه المعركة بعد أكثر من 200 يوم من المعركة وحرب الاستنزاف، قائلاً: "اليوم يُقال في إسرائيل ما قاله سماحة الإمام الخامنئي بعد أسابيع قليلة من الحرب في غزة، عندما قال: لقد علق الاسرائيليون في غزة فهم لا يستطيعون الانسحاب ولا يستطيعون البقاء، اليوم الاسرائيليون يقولون ذلك إذا بقينا هذا الاستنزاف اليومي والقتل اليومي والعمليات اليومية وأيضا جبهات الاسناد مفتوحة ومستمرة ولم يتمكنوا من ايقافها، وتأثيرات هذا على معنويات الجيش والعائلات والشعب الاسرائيلي والأمن الاسرائيلي والاقتصاد الاسرائيلي، يعني معركة استناف، يعني ذهاب إلى الهاوية، وإذا خرجنا من غزة من دون أسرى ومن دون القضاء على المقاومة الفلسطينية، ومن دون القضاء على امكانيات وسلاح المقاومة، نحن نعترف بفشلنا وهزيمتنا في أكبر معركة مع الفلسطينيين منذ 1948".

وأكّد السيد نصر الله بأن المحور سيستكمل هذا الاستنزاف في الفترة المقبلة، مبيناً فوائده بالقول: "إذًا الاستنزاف البشري سيستمر، الاستنزاف الأمني، المعنوي، النفسي، الاقتصادي، وكما قال له أصدقاؤه ‏وخصومه، إصرارك على هذه الحرب يأخذ إسرائيل إلى الهاوية، إلى الكارثة. وفي كلّ الأحوال، سواءً ‏أوقف الحرب المقاومة ستنتصر، أو أخذ بالكيان إلى الهاوية فهذا يعني هو النصر التاريخي للمقاومة. ولذلك ‏مهما كانت التضحيات اليوم، مهما كانت المعاناة اليوم، الشهداء، الجرحى، هذه المعركة معركة حقيقية جدّية ‏تاريخية في غزة، في الضفة، في المحور كلّه، تصنع مُستقبل حقيقي وإنجاز حقيقي وتاريخ حقيقي".

الاستنزاف‏ وأهميته

_حرب الاستنزاف هي مفهوم استراتيجي تعني بأن تحقيق الانتصار في حرب ما، يتم من خلال إضعاف العدو من خلال ضربات متسلسلة وسياق متّصل (أي ليس بضربة واحدة)، تودي به الى الانهيار عن طريق إحداث الخسائر البشرية أو العسكرية.

_ يؤمن هذا الأسلوب خاصةً لحركات المقاومة، القدرة على توجيه ضربات مركّزة للجيش الكلاسيكي (جيش إسرائيلي أو امريكي)، ذات خسائر معقولة مادية وبشرية بمفعول تراكمي في غاية الأهمية، وبأقل عدد من مواردها البشرية والتسليحية، بما يتيح لها الصمود لوقت أطول، وهذا ما لا يمكن للعدو أن يتحمّله إطلاقاً.

_ يتيح هذا النوع من الحروب، مشاغلة الجيش الكلاسيكي في جبهات عدّة ومحاور مختلفة، وهذا ما سيجعله يشتّت قواه من جهة، ويمنعه من حشد أعداد كبيرة من الأفراد والآليات في مناطق معينة، خشية الاستهداف المركّز والباهظ بالكلفة في جهة أخرى.

وهذا ما حصل ويحصل مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحيث يوزع قواته على جبهتي قتال، مما استنزف قدراته بشكل كبير، جعله يطلب تطويع أفراد جدد بعدد لا يقل عن 45 ألف، وانكشاف مدى حاجته الماسّة للدعم اللوجستي العسكري الخارجي المتواصل (أكثر من 200 رحلة جوية وبحرية في إطار جسر الدعم العسكري الأمريكي)، الذي لا يمكن له بغياب هذا الدعم تنفيذ أي مناورات هجومية كبيرة.

_ يكون ثمن الانتصار في هذا النوع من الحروب مكلفاً على صعيد التضحيات البشرية، خاصةً على لدى البيئة الحاضنة، لأنها ستكون عرضة لانتقام جيش الاحتلال، لكنه أقل بكثير من كلفة الهزيمة وانتصار الأخير.

وفي هذا الإطار، ذكر كبير المعلقين على الشؤون الخارجية في صحيفة "فايننشال تايمز"، جدعون راشمان، بأن الولايات المتحدة أدركت من خلال "تجربتها المريرة في أفغانستان أنك لا تستطيع أن تهزم منظمة مثل حماس، أو طالبان، بمجرد قتل قياداتها وجنودها. وبدون حل سياسي مستدام، سيكون هناك دائما مجنّدون جدد. والحقيقة أن القتل الجماعي للمدنيين من المرجح أن يشكل أداة التجنيد الأكثر فعالية للجيل القادم من مقاتلي حماس".

قادة عسكريون إسرائيليون يعترفون بحال الاستنزاف

وفي اليوم الـ 221 للمعركة، كشف مقال في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن مؤشرات الاستنزاف الصعبة التي وصل إليها الكيان وجيشه، وذلك نقلاً عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين حاليين وسابقين.

وأبرز هذه المؤشرات:

_ الاضطرار بعد مضي 8 أشهر للحرب، على تكرار العمليات العسكرية والقتال مرة أخرى في مناطق بالجزء الشمالي لقطاع غزة – مثل جباليا -، بعد أن عاد إليها المقاومون. وأن جولة القتال هذه تحصل مع عدم وجود نهاية واضحة لها في الأفق، خاصةً مع توقف محادثات وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي يؤدي وفقاً لهم الى تزايد المخاطر التي يواجهها الجنود الإسرائيليون.

_ حصول إحباط وصدع كبير، لدى بعض الجنرالات وأعضاء مجلس الوزراء الحربي من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لفشله في تطوير والإعلان عن خطة "اليوم التالي".

_ ردة الفعل العنيفة الذي تواجهها إسرائيل من معظم أنحاء العالم بشأن الحرب.

_تزايد عدد المسؤولين والمحللين الذين يتساءلون عما إذا كانت إسرائيل قادرة على تحقيق الهدف الواسع بالقضاء على حماس.


الكاتب:

علي نور الدين

-كاتب في موقع الخنادق.

- بكالوريوس علوم سياسية.

 




روزنامة المحور