الأحد 26 أيار , 2024 01:13

عن الإعلام الاميركي وكيف يتعامل مع غزة!

المظاهرات الطلابية في الغرب دعماً لغزة

اتهامات بمعادات السامية، تخريب، تعطيل للعملية التعليمية، هذا ما يوصف به تحرك الطلاب المعتصمين في الجامعات الأميركية دعماً لفلسطين ومطالبين بوقف جرائم الإبادة العنصرية في غزة والمطالبين بمقاطعة "اسرائيل" علمياً وتقنياً. هذه الأوصاف التي ترتبط عامة بالتحركات في الجامعات الأميركية في معظم الإعلام الأميركي، وحتى الغربي، وخاصة في BBC، وفرانس 24 وغيرها. ويقف المسؤولون الأميركيون في كثير من الأحيان ليلوموا النظام التعليمي في بلادهم على الإهمال الذي أصاب هذا النظام في شرح وإعادة شرح لما فعلته النازية من مجازر بيهود أوروبا.

وكأن العالم يجب أن يقف على مشارف 1945، وهو العام الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية التي استمرت ما بين 1939- 1945. ويجب عليه أن يعطل تفكيره. ويمكننا أن نصف وبشكلل عام أن دور الصحافة الأميركية والغربية مشبوه عندما يتعلق الأمر بوضع الإعتصامات من أن اجل فلسطين في الجامعات الغربية. لنأخذ مثالاً CBS [سي بي اس]، وهي من اهم المحطات التلفزيونية التي تتم متابعتها على نطاق قومي وطني في الولايات المتحدة، تماماً كما الCNN  [سي ان ان]، والفوكس نيوز. كتبت  وجاء على موقع سي بي اس كلام يصف الوضعية، بأن المظاهرات "هي فقط من أجل غزة" دون الدخول في العمق في أسباب هذه المظاهرات، مع أن المنظمات الطلابية تنشط في الولايات المتحدة ودول الغرب منذ العام 1993، ووصلت أوجها في حركة مقاطعة اسرائيل BDS، في العام 2005. وهذا معناه أنه يتم التعامل مع الموضوع بشكل سطحي.

أسوء ما ذكره الموقع أنه تعالى خلال المظاهرات صراخ يطالب بقتل اليهود. ولكن لم يعلم من هو الذي يصرخ، فالطلاب الذين يتظاهرون ضد المجازر وتجويع الفلسطينيين في غزة، لن يطالبوا بقتل اليهود في أمريكا، ولكن هذا ما يتبناه الإعلام الغربي دون تدقيق، لأن هذا ما يخدم المصالح الصهيونية والمصالح الإنتخابية للمرشحين الذين يسعون لدعم التجمع الصهيوني في الولايات المتحدة والعالم. الأمر نفسه، تحدثت عنه السي ان ان مراراً وتكراراً خلال المظاهرات، واستضافت خلال التقارير أكثر من كاهن يهودي، والذين طالبوا بحماية الدولة، والبعض طالب بتشكيل امن ذاتي في داخل الولايات المتحدة إن لم تستطع الدولة وقف التظاهرات "المعادية للسامية". ووقفت إمرأة يهودية أمام الكاميرا، وقد هربت من فلسطين بعد انطلاق العمليات الصهيونية على غزة ما بعد عملية طوفان الأقصى، وقالت للمحطة، بأن اليهود لم يعودوا يشعروا بالأمان في أي مكان ولا حتى في دولتهم التي "عادوا" إليها بعد سنين من الديسبورا أي التيه.

وتعرض الصحف الكبرى عناوينها باحرف كبيرة جداً وبطريقة جذابة " اعتقال 100 طالب في جامعة الشمال في بوسطن". تدخل إلى المقال فتجد أنه لا يلوم الجامعة على تصرفاتها التي تمنع التعبير عن حرية التفكير، بل تجد لوماً للمتظاهرين من أجل فلسطين. والتعامل معهم على انهم معادين للسامية، مع العلم أنه في مكان ما من المقال يضع الكاتب فقرة تتحدث عن "قتل" أكثر من 35 ألف فلسطيني، ويضع الرقم الدقيق المتناسب مع كل تاريخ. وتستمر المحطات بإستضافة النواب من الكونغرس، وخاصة أمثال جون فيترمان النائب عن بنسلفانيا، وهو يهودي ومعاد للعرب والفلسطينيين، والذي أدان كل أشكال التحركات ضد الجرائم الصهيونية في الجامعات وخارجها، واعتبرها ضرباً من ضروب معاداة السامية، وهذا ما قاله صراحة في لقاء منذ بداية الإعتصامات في الجامعات على شبكة السي ان ان.

وفي هذا السياق نشرت منصة اكس دعوتان من نائبين من الكونغرس الأميركي من أجل استخدام الحرس الوطني للتصدي لمظاهرات الطلاب في جامعة كولومبيا تحديداً لأنهم "يشكلون خطراً على الطلاب اليهود الأميركيين". 

كما دعا سيناتوران من الكونغرس الأمريكي لاستخدام وحدات "الحرس الوطني" للتصدي لمظاهرات طلاب مناهضين لإسرائيل في جامعة كولومبيا بنيويورك، بدعوى أنهم يشكلون "خطراً على الطلاب اليهود الأمريكيين". وهما جوش هولي في رسالة للرئيس جو بايدن ووصفها بانها "معادية للسامية". بينما قال النائب الجمهوري، توم كوتن على منصة اكس أيضاً يجب وقف "البوغروم" الجديد في جامعة كولومبيا. والبوغروم كلمة تدل على مهاجمة جماعة معينة، سواء كانت عرقية أو دينية أو ما غير ذلك.

الإيكونومست، تحت عنوان "هل يجب على الجامعات الأمريكية استدعاء رجال الشرطة بشأن الطلاب المحتجين؟" تعرض الإيكونومست مقالها في البداية بطريقة تجعلك تظن أن هناك من هو يطالب بحق الطلاب في التظاهر ويشرح كيف يصطف الطرفان، واحد هو الأساتذة والطلاب، الذين ينادون بحرية غزة ويعتصمون، والتعديل الأول في الدستور الأميركي يحفظ حرية وحق التعبير، والثاني هو رجال الأمن الذين يرتدون الخوذات والمدججين بالسلاح، ويجرون المعتصمين جراً من ياقاتهم على الأرض ولكن وبحسب الإيكونومست: "التعديل الأول ليس دليل تعليمات لخلق ثقافة التعلم. إن السماح للمتظاهرين بالصراخ حول عولمة الانتفاضة، وترهيب الطلاب اليهود الذين يحاولون الوصول إلى الفصول الدراسية، لا يتوافق مع هذا الهدف. ولا يوجد حق في حرية التعبير لاحتلال أجزاء من الجامعة. تعد حرية التجمع أيضاً جزءاً من التعديل الأول للدستور، لكن هذا لا يعني أن المتظاهرين لهم الحق في التجمع في أي مكان، إذا كان ذلك يمنع الآخرين من استخدام الأماكن العامة. هذا ويعد إتلاف الممتلكات جريمة داخل الحرم الجامعي كما هو الحال خارجه". ويبدو وكأن المعتصمين أو المتظاهرين يحاولون إتلاف جامعاتهم، وفي نهاية المقال يحمد كاتب المقال أنه حتى اللحظة لم يهاجم المتظاهرون رجال الأمن، ولكنه لا يحدد أية أجوبة تفيد عنوان المقال.

يمكننا أن نستمر بسرد ما تزخر به المقالات ونشرات الأخبار ولكنها جميعاً تتمتع بسردية واحدة وللأسف وإن كان البعض يختص بتعداد أسماء الجامعات التي يملأ حرمها المعتصمون. مع العلم، أن سي ان ان، وغيرها مثل واشنطن بوست، باتت اليوم تعرض ما يتعرض له الفلسطينيون من جرائم يرتكبها الصهاينة بحقهم، وتحرر الأخبار عن قصف المستشفيات وغيرها، ولنكن واضحين، الأمر ليس إلا محاولة لإمتصاص الغضب الذي نزل عليها لأنها لم تتصرف بمهنية وحيادية منذ السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2023 وحتى اليوم، والأمر ينطبق على الجميع. وعلى الرغم من ارتفاع منسوب مهاجمة الطلاب المعتصمين في الجامعات الأميركية والدعاية الموجهة ضدهم، فقد استطاع هؤلاء انتزاع تنازل من إدارة الجامعات التي رأت انها لا تستطيع إهمال طلباتهم، وقامت جامعتي كولومبيا وهارفرد بقطع العلاقات العلمية والتبادل العلمي والخبرات مع الجامعات الصهيونية، وبسبب ذلك تم طرد مديرة جامعة كولومبيا. ومع ذلك تستمر  التحركات المناهضة للتعاون مع الصهيونية وجامعاتها من خلال تصعيد الإعتصامات الطلابية.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور