منذ اليوم الأوّل على الإعلان عن حادثة تحطّم مروحية الرئيس الإيراني الشهيد إبراهيم رئيسي والوفد المرافق معه التزم المسؤولون الإسرائيليون الصمت في المستويين السياسي والعسكري، وسط حرص على نفي أيّ مسؤولية لإسرائيل عن الحادثة.
في المقابل، أبدى المستوى الإعلامي اهتماماً كبيراً بالحادثة، فقدّم خبراء ومُعلّقون قراءات في الدور الذي كان يلعبه السيّد رئيسي، والوزير عبد اللهيان، في الداخل الإيراني، وفي المنطقة، لاسيّما لجهة دعم حلفاء إيران في مواجهة إسرائيل. بالإضافة إلى التركيز على تحديات النظام الإيراني من جهة توقيت رحيله الذي أدّى إلى طرح مجموعة من الأسئلة الأمنية والمحلية والاقتصادية والجيوسياسية على جدول الأعمال، ومنها الملف النووي الإيراني، والمفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية، واستئناف العلاقات مع السعودية.
شخصية رئيسي
تطرّق عدد كبير من الخبراء والمُعلّقين في إسرائيل لشخصية الرئيس الإيراني، ودوره في رسم السياسة الإيرانية في مختلف المجالات، فرأوا أنّه "منذ انتخابه، عمل رئيسي على توفير الاستقرار المطلوب تمهيداً لنقل عصا المرشد الأعلى إليه"، وأضافوا بأنّ السيّد رئيسي كان من الشخصيات الرئيسة في إيران، التي عملت على تطوير العلاقات مع أوروبا الشرقية، روسيا والصين.
كما كان يتولّى السلطة التنفيذية في إيران، وهو رسمياً، الرجل الثاني من حيث الأهمية في التسلسل السلطوي في الجمهورية الإسلامية، ويتمتّع بتأثير ملحوظ في إدارة شؤون الدولة، بالأخصّ في المجالات الداخلية والاقتصاد، كما كان له تأثير لا يستهان به أيضاً في إدارة السياسة الخارجية لإيران.
وفي سياق ذي صلة، قال مُعلّقون إنّ السيّد رئيسي انتهج دائماً خطّاً صقورياً جداً في السياسة الخارجية إزاء الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك الأمر في السياسة الداخلية.
دور عبد اللهيان
حظي وزير الخارجية الإيراني الراحل، الشهيد حسين أمير عبد اللهيان، أيضاً بحيّز واسع في التعليقات الإسرائيلية، فرأى خبراء ومُعلّقون أنّه لعب دوراً رئيساً حتى في مساعي إيران في الحدّ من التوتُّر مع جيرانها العرب، كما أنّه في الساحة العالمية وقف عبد اللهيان إلى حدّ كبير خلف مساعي النظام لحثّ سياسة "الوجهة نحو الشرق"، التي محورها تعميق التعاون الاستراتيجي مع روسيا والصين. وأضاف مُعلّقون أنّه في الساحة الإقليمية، كان لعبد اللهيان تأثير لا يستهان به، بسبب معرفته العميقة بالشرق الأوسط، واتقانه اللغة العربية، ولكونه مقرّب جداً من قوّة القدس التابعة لحرس الثورة الإسلامية. ولفت مُعلّقون إلى أنّ عبد اللهيان عمل على بناء شبكة حربية خاصّة بإيران، أي حلقة النار التي تحيط بإسرائيل، كما عمل من جهة ثانية على تفكيك احتمال تمتين علاقات إسرائيل مع الدول العربية، أو إنشاء حلف سنّي ضدّ إيران.
مُعلّقون إسرائيليون أشاروا إلى أنّ عبد اللهيان لا يعرف الكلَل، ووصفوه بأنّه "أحد أهم الشخصيات الرئيسة في المحور الموالي لإيران"، وهو كان ينقل الرسائل إلى أمين عام حزب الله، سماحة السيّد حسن نصر الله، وإلى حلفاء إيران الآخرين في المنطقة، كما كان قادراً على تنسيق الجهود الإيرانية على المسارين الدبلوماسي والعسكري. وأضاف مُعلّقون أنّ عبد اللهيان كان رجل الارتباط مع حزب الله وبقية حلفاء إيران، وهو عمل في كلّ المنطقة، وربّما أكثر، فقد كان يتحدّث مع السعوديّين والمصريّين، ودفعهم إلى التقرُّب من الإيرانيّين، لذلك "يُمكن أن يؤدّي موته إلى حصول مشكلة كبيرة جداً للدبلوماسية الإيرانية". كما كان عبد اللهيان أيضاً، الشخص الذي ربط إيران ببيع الطائرات المسيّرة لروسيا، في حربها ضدّ أوكرانيا، بسحب مُعلّقين.
حيوية عبد اللهيان ونشاطه، دفع خبراء للقول إنّه كان يعمل كثلاث وزراء خارجية، إذ منذ بداية الحرب كان يتّصل ليلاً ونهاراً بكلّ العالم، ويتجوّل في المنطقة، محاولاً تجنيد العالم الإسلامي ضدّ إسرائيل، ووقف التجارة معها. ووصف مُعلّقون عبد اللهيان، بأنّه من أفضل الشخصيات التي تُتابَع في إسرائيل.
تأثير رحيل الرئيس
رئيس الشعبة السياسية الأمنية في وزارة الأمن سابقاً، اللواء احتياط عاموس غلعاد، رأى أنّ "تبدُّل الأشخاص في القيادة الإيرانية لن يؤثّر على النهج العام والسياسة التي يرسمها السيد الخامنئي، فإيران دولة لديها نظرة شاملة وهدف، لذلك لا يُتوقّع حصول تغيير جوهري بعد موت الرئيس". وأضاف غلعاد أنّه في إيران توجد نظرية تقول "إنّ من مات مات، ولنمضي قدماً"، وهذا ما حصل عند اغتيال سليماني، ومسؤولين آخرين، لأنّ "المنظومة الإيرانية تعرف كيف تواجه هذه الأزمات، فهي دولة كبرى تملك ثروة بشرية وموارد".
وأضاف خبراء إنّ المنظمات والأنظمة الجهادية، لا تتأثر برحيل الزعيم أو القائد، إذ يوجد لديهم استمرارية في الحكم، وخير مثال على ذلك، هو عندما اغتالت إسرائيل السيّد عباس الموسوي، حصلت على السيّد نصر الله.
وحذر مُعلّقون من أنّه يوجد أمران مقلقان في التطوُّرات الأخيرة في إيران، تخشى منهما إسرائيل كثيراً: استغلال إيران للوضع الحالي، من خلال التلميح بنوع من عدم الاستقرار، وفي الطريق يستغلّ حرس الثورة الإسلامية ذلك للمضي في المشروع النووي؛ وتسريع تسليح حلفاء إيران في الشرق الأوسط.
الكاتب: غرفة التحرير