السبت 01 حزيران , 2024 12:46

وحدة هاتسيف: عملية طوفان الأقصى أعادت تفعيلها؟

جندي إسرائيلي يراقب عبر الكومبيوتر

تعدّ وحدة هاتسيف التي تتولى مجال الاستخبارات من المصادر المفتوحة (OSINT) في مخابرات جيش الاحتلال الإسرائيلي، من أهم وأخطر الوحدات، كونها تؤمن أكثر نسبة من "المعلومات الخام"، من كل المصادر العلنية المقروءة والمسموعة والمنظورة، أبرزها وسائل التواصل الاجتماعية، وتقوم بتزويد قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات – أمان بها، أي الجهة التي تقوم بمعالجة الصورة الاستخبارية لإسرائيل.

فما هي أبرز المعلومات المتداولة حول هذه الوحدة، ولماذا يجب على بيئات المقاومة في جميع الساحات والجبهات الحذر منها؟

_هي وحدة فرعية تعمل ضمن الوحدة 8200 في شعبة أمان، وتتعامل في مجال الاستخبارات من المصادر المفتوحة (OSINT). تأسست منذ حزيران / يونيو 1949 تحت اسم "المخابرات 5"، حيث كانت مهامها ترتكز على جمع المعلومات من التحقيقات مع الأسرى والمعتقلين ومن مصادر بشرية غير العملاء ومراقبة وسائل الإعلام.

وهنا لا بد الإشارة من أن هذه الوحدة قد أُشيع إلغاؤها عام 2012، لكن صحيفة هآرتس كشفت في العام 2016، بأن الوحدة كانت لا تزال موجودة حينه.

_بحسب المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال "إفرايم لابيد"، الذي كان ضابط استخبارات في الوحدة 8200 وعمل في هاتسيف، فإن هذه الوحدة كانت تتبع ما كتب وسمع في الأراضي العربية، وخاصة في الصحف والمجلات والدوريات وإصدارات مراكز الأبحاث والإذاعات وقنوات التلفزيون.

فهي المسؤولة عن الحصول على الاستخبارات العسكرية ومكافحة التجسس من خلال مصادر المعلومات المفتوحة المختلفة، ومن الأمثلة على منتجاتها:

1)الملخص اليومي وترجمات المقالات من اللغة العربية، والتي يتم نشرها وتوزيعها على مكاتب الاستخبارات وصناع القرار في الكيان.

2)تقوم بمراقبة وتحليل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في كافة التخصصات واللغات، لكن بشكل أساسي على العربية والفارسية (أبرز المنصات: فايسبوك، تويتر، إنستاغرام، يوتيوب، تيكتوك...).

3)تقدّيم تحاليل الشخصيات للمسؤولين الإسرائيليين.

4)إعداد تقرير المزاج العام في الدول والساحات المختلفة خاصةً بالمواضيع السياسية والعسكرية وغيرها.

_وفقا لتقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية، توفر هذه الوحدة الفرعية أكثر من نصف إجمالي المعلومات الاستخبارية لمجتمع الاستخبارات الإسرائيلي.

_ منذ بزوغ ثورة الانترنت، بدأت الوحدة التركيز على تجنيد عناصر لديهم معرفة باللغات الأجنبية المنطوقة في البلدان المستهدفة، وأيضاً من الذين يعيشون في عالم الإنترنت ولديهم فهم جيد لوسائل التواصل الاجتماعي.

_ قبل العام 2012، كان لديها وحدة إقليمية تُدعى "عميحاي" ومقرها حيفا (التي تأسست في السبعينيات)، وكان عناصرها من الدروز (المتعاملين مع الاحتلال)، وتركّز اهتمامها على الساحة اللبنانية.

كما أن هذه الوحدة تنقسم لعدة دوائر مسؤولية (فلسطين، لبنان،...)، وتعمل على مدار الساعة (24/7)بصفوف تكتيكية واستراتيجية، لجمع المعلومات ومراقبة متصفحي ومستوى المتحدثين المتواجدين في جميع أنحاء الساحة.

_ أبرز الإخفاقات الاستراتيجية للجهاز، هو الفشل في التنبؤ بحصول الربيع العربي. وهذا ما اعترف به الجنرال أفيف كوخافي (الذي شغل في تلك الأحداث منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية – أمان)، حيث قال في خطاب نهاية مهمته، أن إحدى أكبر إخفاقاته كانت عدم قدرته على التنبؤ بإطاحة الرئيس المصري حسني مبارك.

_ شاركت في العديد من العمليات المهمة، بما في ذلك المساعدة في فهم الصورة الإقليمية (منطقة الشرق الأوسط)، وتقديم "معلومات ذهبية" حول التهديدات المختلفة، وخاصةً من الجمهورية الإسلامية في إيران.

ويتداول بأنها الجهة المسؤولة عن التحقق السريع من اغتيال كبار القادة في محور المقاومة مثل الشهيد الفريق الحاج قاسم سليماني والشهيد أحمد الجعبري. بالإضافة إلى ذلك، تركزت مهامها على البرنامج النووي الإيراني، وتحليل مراكز القوة والعمليات في حركة حماس.

_ نتيجة لخفض مواردها المالية المخصصة لمتابعة وسائل الإعلام المرئية، قامت بالاعتماد بمصادر خارجية في بعض مهامها الاستخباراتية مثل MEMRI وPalestine Media Watch، لتغطية المواد الإعلامية المناهضة لإسرائيل في وسائل الإعلام العربية.

_ في العام 2021 جرى حلّها، ودمج عناصرها ضمن الوحدة الأساسية 8200، بسبب تفشي جائحة كورونا. لكن في العام 2023، وعقب الفشل الاستخباراتي الذريع الذي مُنيت به أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كلّها خلال عملية طوفان الأقصى، أُعيد تفعيلها من جديد، في محاولة منهم لسدّ الثغرات الكبيرة في منظومة الاستخبارات. حيث أن معظم المديرين التنفيذيين اتهموا قيادة شعبة أمان بأنها فشلت في توقع نوايا حماس، لأنها فضلت نظام الذكاء الاصطناعي الذي يُحلل المعلومات بكميات كبيرة، على العملية البشرية التي تجلب معها رؤى وتحليلات متعمقة لا تستطيع الآلة تقديمها.

لماذا يجب أن تحذر منها مجتمعات المقاومة؟

في العام 2015، وفي مقال لصحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية، وُصفت هذه الوحدة بأنها "وحدة سرية غير سرية تابعة للجيش الإسرائيلي"، وبأنه عندما يقوم جنود الوحدة بتسجيل الدخول إلى فيسبوك، فإنهم يدخلون بالفعل إلى ساحة المعركة. ثم أضاف المقال بأنه في هذا اليوم وهذا العصر، يمكن لكل "طفل فلسطيني لديه هاتف ذكي مساعدة جيش الدفاع الإسرائيلي على هزيمة العدو، ومن واجب هاتسيف التأكد من أنه يفعل ذلك".

واستعرض المقال ما حصل عقب اغتيال الشهيد في حركة حماس محمد طلعت الغول (الذي وُصف حينها بأنه مسؤول مالي كبير في الحركة و"وزير مالية الحركة")، من تداول لصور عملية الاغتيال عبر نشرها ومشاركتها على الفور عبر الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى من قبل سكان غزة العاديين، قد كشف الغطاء عن "مخبأ الأموال السري لرئيس الخزانة الذي كان مخبأ في صندوق سيارته"، وزودت وحدات جمع المعلومات الاستخبارية التابعة للجيش الإسرائيلي بمعلومات قيمة.

ونقل المقال تصريحاً لقائد الوحدة آنذاك اللفتنانت كولونيل "ر"، الذي قال: "حتى سنوات قليلة مضت، من أجل الحصول على هذا النوع من الصور، كان جيش الدفاع الإسرائيلي بحاجة إلى استخدام وسائل تكنولوجية مثل الطائرات بدون طيار، التي توفر الصور التي تم التقاطها من مسافة بعيدة"، مضيفاً بأنه "اليوم، وبفضل ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل الحصول على صور عالية الدقة تم التقاطها من مسافة قصيرة ومن زاوية جيدة. بالإضافة إلى فوائد العلاقات العامة، فهي أيضًا أفضل دليل على أنك ضربت بالضبط الشخص الذي كنت تنوي ضربه". وأضاف "ر" بأن الأدلة التي جمعتها الوحدة "لا تقدر بثمن بالنسبة للضباط في الوحدات القتالية المختلفة"، كاشفاً بأنه عندما زار فرقة غزة خلال معركة العصف المأكول (في الكيان يٌطلق عليها اسم عملية الجرف الصامد) أخبره الضابط المسؤول عن تحليل نتائج هجمات جيش الاحتلال: "قل لرفاقك شكراً جزيلاً، لأنني بدونك لا أعرف ماذا كنت سأفعل".

فالنسبة لهذه الوحدة، بعثت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي حياة جديدة في مكاتبها، بعدما لم يكن يُنظر إليها على أنه إحدى الوحدات المرموقة في الجيش. فقد كانت وظيفتها الرئيسية هي تقديم ملخصات لتقارير وسائل الإعلام العربية التابعة للحكومة. لكن منذ ذلك الوقت، تغير الوضع بشكل كبير. لأن المعلومات الاستخباراتية المتاحة بسهولة أصبحت أكثر أهمية. فباتوا يعتمدون على المراسلين والمواطنين (في ساحات المقاومة) الذين ينشرون معلومات غير خاضعة للرقابة وغير مفلترة في الوقت الفعلي، وهذه معلومات استخباراتية قيمة، لأن هناك "هواتف ذكية في كل مكان، وفجأة أصبح الجميع صحفياً ومصوراً يقدم المعلومات".

ولا تستفيد هذه الوحدة من المعلومات الاستخباراتية التكتيكية التي تجمعها فقط، بل تسمح لها مهامها أيضا بجمع بيانات استراتيجية حول المزاج العام داخل مجتمعات المقاومة (حول كل المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية)، والتي قد يستفيد منها الكيان في العديد من المجالات (إثارة الفتنة عبر تنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات غامضة، شن هجمات تضليل واسعة، إلخ...).


مرفقات


الكاتب:

علي نور الدين

-كاتب في موقع الخنادق.

- بكالوريوس علوم سياسية.

 




روزنامة المحور