مُني الجيش الإسرائيلي بخسائر فادحة منذ بداية طوفان الأقصى، وعلى ضوء ارتفاع أعداد القتلى (بحسب اعترافه 674 قتيلاً بين ضابط وجندي إلا أن التقديرات تشير إلى أكثر من 2723 قتيل) والجرحى (3568 ضابط وجندي) من ضمنهم المعوقين (12500 ضابط وجندي) ونتيجة تصاعد مستوى التحديات العسكرية في غزة ولبنان، أصبحت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأمس الحاجة إلى مجندين جدد، حيث قُدّرت الفجوة العددية بحوالي 10 آلاف جندي. بالإضافة إلى الحاجة الكمّية أضيفت الحاجة النوعية، مع تنامي ظاهرة هجرة صغار الضبّاط من الجيش.
إجراءات سد الفجوة العددية
لم تطرأ الفجوة العددية خلال الحرب، بل كانت موجودة أصلاً قبلها، نتيجة التغيّرات البنيوية في نموذج الجيش الإسرائيلي كـ"جيش صغير وذكي" لكن، توسّعت الفجوة بشكل كبير جرّاء تزايد المهام وكثرة القتلى والإصابات. ولحل هذه الإشكالية تم اتخاذ عدة إجراءات سياسية وعسكرية.
بدأت الإجراءات في قرار مجلس الوزراء تمديد الخدمة الإلزامية للجنود 36 شهراً (أي إعادتها إلى الأصل) للسنوات الثماني القادمة. وكإجراء آخر لسدّ الفجوة، صدّق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يوم الثلاثاء الماضي 9/7/2024 على شروع الجيش في تجنيد الحريديم ابتداء من شهر آب/أغسطس المقبل بسبب ما وصفه بـ"الاحتياجات العملياتية". ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن غالانت قوله إن الجيش اتفق مع الحريديم على زيادة عدد المنتسبين إلى الجيش بنسبة 5% سنوياً، للوصول إلى 50% خلال 5 سنوات.
وتشير تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى أنه سيُستدعى نحو 3 آلاف من الحريديم كبداية، إضافة إلى 1800 مجندين بالفعل منذ بداية العام وفق شروطهم، بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية. وأوضحت الصحيفة أن الـ3 آلاف هؤلاء هم من بين نحو 12 ألف طالب من الحريديم في الصفوف الدراسية حاليا.
وفي إجراء ثالث ضمن مسعى ردم الفجوة العددية، طالبت المؤسّسة الأمنية والعسكرية تمرير قانون رفع سنّ التسرُّح من الجيش في تشكيل الاحتياط، لعام إضافي (من 40 إلى 41 عاماً للجنود، ومن 45 إلى 46 عاماً للضبّاط). تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ هذا القانون عالق في لجنة الخارجية والأمن، بسبب عدم وجود توافق عليه، ولارتباطه الوثيق بمبدأ "المساواة في تحمّل عبء الخدمة العسكرية".
ومن الجدير ذكره، أن دلالة عدم رفع سن التسرُّح من الاحتياط هي- بحسب وزير الأمن- أنّ ما يقرب من 6700 جندي في الاحتياط سيسرَّحون فوراً، لأنّ قانون تمديد الخدمة العسكرية في قوّات الاحتياط لم يُصادق عليه، في ظلّ طلب 900 ضابط برتبة نقيب ورائد التسريح من "الجيش هذا العام"، مقارنةً بـ 100 إلى 120 ضابط كانوا يطلبون ذلك في السنوات الماضية.
في الموازاة، تُحذّر المؤسّسة الأمنية والعسكرية من أنّه إذا لم يَجرِ رفع سنّ التسرُّح، وإن لم يَجرِ اتخاذ قرار بتمديد الخدمة الإلزامية، فإنّ الجيش الإسرائيلي سيواجه صعوبة في تأدية مهام الأمن الجاري ومهام الحرب-بالتوازي- على أكثر من جبهة، وذلك على خلفية ازدياد مهام الجيش بشكل كبير، من جهة، ونِسَب الإصابات المرتفعة في صفوف الجيش من جهة ثانية.
وتداركاً لهذه الأزمة، ذكرت تقارير أنّ الجيش الإسرائيلي شرع في إنشاء فرقة جديدة "خفيفة" أُطلق عليها اسم الفرقة 96 ("فرقة دافيد" – فرقة داوود)، تعتمد على مُقاتلين بلغوا سنّ الإعفاء من الخدمة الاحتياطية ومتطوّعين، بمن فيهم متديّنين- حريديم. وتُقدِّر شعبة القوى البشرية في الجيش بأنّ هذا الإجراء قد يؤمِّن للجيش نحو 40 ألف مقاتل، سيعملون -أساساً- في مهام الأمن الجاري على الحدود وفي الضفة الغربية، ولاحقاً في مهام قتالية أكثر تعقيداً. يُذكر أنّ رئيس هيئة الأركان العامة، الفريق هرتسي هليفي، كان قد حذّر المستوى السياسي، الشهر الماضي، من أنّ الجيش الإسرائيلي "ينقصه 15 كتيبة من أجل إتمام المهام الموكلة إليه".
ختاماً، على ضوء الاهتمام المتزايد بأزمة القوى البشرية في الجيش، احتدم السجال حول نموذج الجيش الإسرائيلي وحجمه، وقال رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست، تسفيكا فوغل (حزب قوّة يهودية) إنّ إسرائيل اتخذت قبل 20 عاماً قراراً بائساً بالسير نحو جيش صغير وذكي، وأضاف أنّ الشيء الوحيد الذي بقي هو الذكي، أمّا الصغير فقد أضرّ بنا.. جيشنا صغير جداً، وليس بمقدوره معالجة غزة ويهودا والسامرة ولبنان في وقت واحد".
الكاتب: غرفة التحرير