الأربعاء 04 أيلول , 2024 02:44

مستقبل إسرائيل المظلم.. هل تندلع حرب أهلية إسرائيلية؟

ورقة علمية: البجعة السوداء في المستقبل الإسرائيلي … أ. د. وليد عبد الحي

لم يكن تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 18/6/2024 والذي زعم فيه أنه "لن يكون هناك حرب أهلية في إسرائيل، إلا صدىً لنقاش يدور في الأوساط السياسية الإسرائيلية وفي مستويات رسمية وأكاديمية وشعبية قبيل طوفان الأقصى وبعده.

وهذا الهاجس من الحرب الأهلية لا يقتصر على القادة والإعلاميين والمفكرين بل ولدى الرأي العام الإسرائيلي؛ الذي عبّر في آخر استطلاع رأي إسرائيلي حول الحرب الأهلية عن خشيته من وقوعها بمعدل 46%، بينما ارتفعت النسبة في استطلاع سابق على طوفان الأقصى إلى 58%، وإلى 67% في استطلاع ثالث. تتحدث المادة المرفقة أسفل الملخّص أدناه عن احتمال وقوع الحرب الأهلية في "إسرائيل"، من إصدار مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بعنوان "البجعة السوداء في المستقبل الإسرائيلي" للكاتب أ.د. وليد عبد الحي.     

الخلاصة

ثمّة تباين وجدل أكاديمي حول المتغير الرئيسي في نشوب الحروب الأهلية، لكننا نستطيع تقسيم هذا الجدل إلى ثلاث اتجاهات:

أولاً، اتجاه اعتبر التنوع في الهويات، الدينية والقومية واللغوية واللون والمذهبية…إلخ؛ هو المتغير الرئيسي.

ثانياً، اتجاه يرى أن سوء توزيع المزايا، الدخل، والمناصب العليا، والتمييز لأي سبب بين القطاعات المجتمعية كالريف والحضر، وبين الأقاليم…إلخ؛ هو الأكثر فاعلية في إشعال الحروب الأهلية.

اتجاه ثالث يرى أن توفر "الفرصة" للتمرد من قبل القطاعات المتذمرة لأسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية هو الأهم، فقد أوضحنا في دراسة سابقة أن المتغير الجغرافي يمثل العامل الأكثر أهمية في توفير فرص التمرد، ويشتمل هذا المتغير الجغرافي على مؤشرات فرعية هي: وجود الأقلية على حواف الدولة، وتجمع الأقليات المتذمرة في تلك المنطقة، وظهور مورد اقتصادي مهم في منطقة الأقلية.

غير أن المنظور الكلاني holistic يرى أن التفاعل بين كل مكونات الظاهرة هو الذي يحدد احتمالات الحرب الأهلية من عدمها، وهو ما يستدعي وضع مصفوفة للتأثير المتبادل بين مكونات الظاهرة، وخصوصاً العلاقة بين فرص تفجر الصراع الداخلي في المجتمع الإسرائيلي وبين الشعور بالتهديد الخارجي على المجتمع والكيان السياسي، وتدل استطلاعات الرأي الإسرائيلي قبل طوفان الأقصى على مستويات ثقة أمنية متباينة عند المقارنة بين متغيرات الأمن الداخلي، التباينات الداخلية، وبين متغيرات الأمن الخارجي، التهديد الإقليمي أو الدولي، وهو ما يتضح من أن نسبة الإحساس بالخطر الخارجي المستقبلي في سنتي 2021-2022، أي قبل طوفان الأقصى، كانت تتراوح بين الخوف من الخطر الإيراني أما داخلياً فالقلق من الاستقطاب الاجتماعي، التنوع الإثني، وعدم قدرة المؤسسات القائمة على معالجته بلغ 62%، وعند النظر إلى مجمل المخاطر تبيّن أن مجمل المخاطر الداخلية حظيت بموافقة 66% مقابل 27% للمخاطر الخارجية، كما أن الثقة في مؤسسات الدولة خصوصاً الخشنة منها تتراجع من حيث قدرتها على مواجهة الأخطار الداخلية.

أما أهم الجوانب الداخلية إثارة للقلق الإسرائيلي فهي العلاقة بين عرب فلسطينيي 1948 واليهود 43%، ثم الانقسام الآيديولوجي، يسار ويمين: 24%، ثم الفروق الاقتصادية 13%، ثم الانقسام الديني العلماني 12%، وأخيراً الانقسام داخل الهوية الفرعية نفسها 4%. لكن اللافت هو ارتفاع القلق من البيئة الخارجية بعد طوفان الأقصى، إذ إن 61% من المجتمع الإسرائيلي يعتقدون أن الحرب ستتسع إلى دول أخرى، وهو ما قد يضعف من دور المتغيرات الداخلية باتجاه الانقسام المجتمعي والصراع الداخلي. ويتعزز الشعور بالخطر الخارجي من الاعتقاد بتراجع مكانة "إسرائيل" دولياً، إذ يرى نحو 60% من الإسرائيليين أن "إسرائيل" أصبحت تحظى باحترام أقل في العالم، وهو ما يعزز القلق من الخارج على حساب القلق من المتغيرات الداخلية.

لكن من الضروري التنبه لمسألة مهمة تتعلق بنتائج الصراع الحالي بين محور المقاومة و"إسرائيل"، إذ إن تزايد الضغط على المجتمع الإسرائيلي أمنياً قد يدفع إلى طرح فكرة القبول بتسوية ما، وهو ما قد يفجِّر الصراع الداخلي بين الإسرائيليين حول مشروع التسوية، لا سيّما أن موضوع الدولة الفلسطينية في حدود 1967 تمثل نقطة تباين حاد في المجتمع الإسرائيلي من ناحية، وأصبحت هي الأكثر رواجاً في الديبلوماسية الدولية، لكن اليمين الإسرائيلي ونحو أكثر من ثلاثة أرباع المليون من المستوطنين في الضفة الغربية يعارضون هذا الحل بقوة، مما قد يفجِّر الصراع الداخلي في مستوى معين.

إن ما سبق من عرض للتحولات المحتملة، يُشير إلى أن التحليل الذي توصلنا له باحتمال الحرب الأهلية في "إسرائيل" هو 40.3%، قابل للتغير نحو الأعلى إذا تضافر عاملان معاً وهما: قدرة المقاومة على الصمود في قطاع غزة من ناحية، واتساع تأثيرات الخطر الخارجي مع تنامي قبول المجتمع الدولي بحل الدولتين من ناحية ثانية، مما يسبب اتساع الاستقطاب السياسي والاجتماعي في "إسرائيل" للتعامل مع هذا الاحتمال، ويرى بعض الباحثين بأن "إسرائيل" ستجد نفسها في مواجهة مع المستوطنين في الضفة الغربية في حالة إقرار هذا الحل، وهو الاحتمال الذي سيقود لمواجهات تحاكي الحرب الأهلية، وتغذيها سلطة حاكمة على أسس ثيوقراطية متزمتة تتناقض تماماً مع الأسس التي ادّعى إعلان "الاستقلال الإسرائيلي" تبنيها، ولعل هذه الصورة تمثل الهاجس المركزي في تفكير القوة السياسية الحاكمة في "إسرائيل"، مما سيزيد هذه القوة نزوعاً نحو مزيد من العنف في الحرب الحالية مع محور المقاومة.

ذلك يعني، أن صمود محور المقاومة بشكل عام وثبات المقاومة في غزة بشكل خاص سيعزز من فرص تنامي التوجه الدولي والعربي نحو الضغط على "إسرائيل" لقبول تسوية للصراع العربي الإسرائيلي، ولعل هذا هو المتغير المركزي الذي سيجعل من نسبة 40.3%، القائمة على عدم التجانس الإثني الداخلي، تتزايد بفعل الانقسام العميق داخل هذه التنوعات الإثنية تجاه مضمون التسوية للصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما يتضح تماماً في أن الرأي العام الإسرائيلي يرى في الخلافات الداخلية، تأثيرات التجانس من ناحية وعدم التوافق على مشروع تسوية معيّن للصراع من ناحية ثانية، خطراً يصل إلى 66% مقابل 27% ممن يرى أن الخطر مرتبط بالخارج.


المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

الكاتب: أ. د. وليد عبد الحي




روزنامة المحور