الإثنين 09 أيلول , 2024 03:07

تخبط أردوغان في زمن الطوفان

أردوغان ونظيره الرئيس الاسرائيلي

ضجت وسائل الإعلام الناطقة باللغة التركية والعربية حول خبر اعتقال الممول المالي لشبكة الموساد في تركيا. دخل عميل الموساد في 29 آب وتم اعتقاله في اليومين الماضيين. إنها أسرع عملية اعتقال في تاريخ اكتشاف عملاء الموساد في تركيا. ومن المعلوم ان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قام بقطع العلاقات التجارية وتصدير البضائع والأغذية إلى الكيان منذ حزيران/ يونيو الماضي. في الحقيقة أن العديد من المحللين والمطّلعين شككوا في توقف العلاقات الإقتصادية ما بين تركيا والكيان، ولكن ذلك يأتي في سياق الأخذ والرد التركي الصهيوني منذ استلام أردوغان للحكم.

استعادت حكومة اردوغان في العام 2022 العلاقات الدبلوماسية أو بالأحرى إعادة فتح السفارات ما بين تركيا والكيان، التي أغلقت بعد حادثة السفينة مرمرة في أيلول/سبتمبر 2011. اللافت أن انقطاع هذه العلاقات يومها خدم أردوغان وخططه العثمانية في الدخول على خط ما سمي بالربيع العربي، وباتت قواته تتمركز في سوريا وليبيا والسودان، والذي كان يحلم بسيطرة تركيا على شرق المتوسط والدخول على خط منتدى غاز شرق المتوسط كشريك أساسي. مما ينبأ أن أردوغان في كل مرة يقدم فيه عرضاً من أجل فلسطين، تدخل بلاده في معادلات أميركية جديدة ومستحدثة في المنطقة.

وخلال "ربيع لبنان"، الذي أتى على الأخضر واليابس بعد حراك 17 تشرين الأول/ اكتوبر 2019، بدأت المخابرات التركية بالعمل على الأرض ونظّمت المظاهرات الشبابية التي أغلقت الساحات العامة في مدينتي صيدا وطرابلس خلال العامين التاليين، وقد كشف عن ذلك حديث خاص مع ضابط في الجيش اللبناني خلال اعتصام أغلق ساحة إيليا في العام 2020، ثم كان هناك كلام رسمي كشف فيه وزير الداخلية والبلديات، بسام المولوي، عن دور المخابرات التركية في الأزمة في لبنان. ولم تكن هذه الأزمة إلا أزمة مختلقة بعد فشل "الربيع العربي" في تقسيم سوريا، والهدف منها خلق القلاقل في لبنان ضد المقاومة تحديداً.

لم يبدأ أردوغان إتخاذ مواقف ضد الكيان حتى نيسان هذا العام، وكان رفض قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان بعد طوفان الأقصى. وفي مقال نشره معهد واشنطن للدراسات في أيار الماضي، جاء بعد أن هدد أردوغان بقطع العلاقات مع نتياهو، بعنوان: [هل تقطع تركيا علاقاتها ب"إسرائيل"؟]، أكد سونر كابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، أنه على الرغم من الخلاف الأخير، وخاصة عندما أطلق أردوغان على بنيامين نتنياهو لقب " جزار غزة"، أنه مجرد كلام خطابي، فمن غير المرجح أن تقطع أنقرة العلاقات بالكامل إذا ما منعتها اسرائيل من المشاركة في إعادة إعمار غزة! ويوضح كابتاي أن كلام أردوغان جاء على أمل أن تسقط حكومة نتنياهو قريباً ويأتي سلفه بالسرعة المناسبة.

هكذا يرى الأميركيون العلاقة الجدلية القائمة بين الكيان وتركيا، ولكن أردوغان بالذات وأمام ضغط الشارع والمظاهرات، التي تخرج منددة بالمجازر الصهيونية في فلسطين وغزة، لا يمكنه أن يتعاطى مع مجازر غزة بنفس الطريقة التي تتعاطى بها الإدارة الأميركية ابتداءاً برئيسها الحالي، جو بايدن، وانتهاء بالفريقين المرشحين للإنتخابات القادمة. فبداية، جمهور أردوغان منهم الكثير من المتعاطفين مع غزة وليس مجرد أتراك عنصريون وهم علامة فارقة في الإنتخابات التركية. وثانياً منذ بدأ عمليات طوفان الأقصى بدأ الموساد باغتيال الطلاب الفلسطينيين، الذين يدرسون في تركيا، وبعض الفلسطينيين الناشطين في تركيا، وعملية اغتيال الشهيد اسماعيل هنية لن تكون آخر عمليات الإغتيال هذه، وبالتالي فإن على أردوغان فعل شيء أمام هذا النشاط المتصاعد للموساد، والذي قد يقلب الأتراك ضد بعضهم بعضاً عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

كما أن اعتقال شبكة الموساد بهذا الشكل المسرحي لا يتعلق فعلياً بعلاقه بأردوغان مع الداخل التركي فقط، فاغتيال السيد هنية كان نتيجة لنشط الموساد المتزايد في عمليات الإغتيال في إيران، والذي تطلب كشف شبكات عدة خلال السنوات الماضية، لأن استمرار استخدام الأراضي التركية لتنفيذ عمليات في الجوار قد يفاقم الأوضاع الإقليمية مع العراق وإيران وسوريا، وهي في الأصل متفاقمة مع الأخيرة حتى اليوم. ولكن العلاقة بين "اسرائيل" وتركيا بحسب ما نشر موقع معهد فريدريش نيومان، وإن كان في مقال نشر في العام 2021، قبل عودة السفارات ما بين البلدين، ومن ثم جاءت زيارة زيارة الرئيس الصهيوني، اسحاق هرتسوغ، لتركيا في العام الذي تلاه. جاء في مقال موقع نيومان، للكاتب في هآرتس، نيمرون غورن: "أنه في حين أن القادة السياسيين هم من يحددون نغمة العلاقات الثنائية، فإن العلاقات الإسرائيلية التركية تتجاوزها، ولا تعتمد فقط على كيفية تعامل رؤساء الدول مع بعضهم البعض. إن السياحة والتعاون التجاري والفعاليات الرياضية والثقافية والتبادل الأكاديمي كلها أمثلة على القنوات التي تطورت من خلالها علاقة إسرائيلية - تركية متعددة الأوجه ومرنة. وفي هذا النطاق، يعد المجتمع المدني جهة فاعلة مهمة".

وهذه العلاقة هي علاقة متنامية ما بين معظم الأتراك الذين يعملون في مجالات السياحة والفعاليات الثقافية والرياضية والتبادل الأكاديمي والمجتمع المدني بشكل مباشر، أسواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا. ولكن هناك أتراك آخرون يشكلون مشكلة لأردوغان، وخاصة بعد هزيمة حزب العدالة والتنمية المدوية في الإنتخابات المحلية التي جرت في 31 آذار/ مارس، في مدن كبيرة مثل إزمير وإسطنبول وأنقرة، وحل حزب العدالة والتنمية في المرتبة الثانية في البلاد بعد الخسارة ولأول مرة منذ عشرين عاماً. وبحسب كابتاي في مقال معهد واشنطن: "الأمر الأكثر قلقاً لأردوغان وللعلاقات بين تركيا و"اسرائيل"، هو الإختراق الذي حققه حزب الرفاه الجديد اليميني المتطرف والذي حصل على 7% زيادة في استطلاعات الرأي الوطنية، مما أدى إلى اجتذاب العديد من المؤيدين في الجناح الأيمن الضعيف لأردوغان. كما أن حزب الرفاه اتخذ مواقف مختلفة معادية للحركات النسوية (المقصود هناك الشذوذ الجنسي) ومعادية للسامية ومعادية للمثليين، فإن حزب الرفاه مناهض بشدة لإسرائيل".

في هذه الأجواء المحاصرة لأردوغان جاءت العملية ضد عميل الموساد، مدير الشبكة المالية، ليريدون ريكسبي من كوسوفو. والذي يورد الأمول عبر ويسترن يونيون لعملاء في سوريا والعراق. صحيح أن هذه ليست العملية الأولى التي تعترض فيها تركيا شبكة للموساد وتهاجمها، ولكنها المرة الأولى، التي نشهد فيها هذا التحرك الإعلامي والمسرحي المبالغ به. البعض يعتبر أن هذا الإعتقال جاء بعد تهديد نتنياهو باعتقال قادة حماس في الخارج وخاصة أن تركيا لن تستطيع الرد على الإختراق الصهيوني بمثل ما ردت او سترد إيران عاجلاً أم آجلاً على اغتيال الشهيد اسماعيل هنية على أرضها، والبعض الآخر كما رأينا يعتبرها حاجة انتخابية لأردوغان.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور